الانتخابات التركيَّة وإخوان الخليج

صالح البلوشي

انتهت الانتخابات البرلمانية في تركيا قبل عدة أيام بفوز كبير لحزب العدالة والتنمية الحاكم، مما يؤهل الحزب لتشكيل الحكومة منفردا في فترة الأربع سنوات المقبلة، وذلك بعد أن فشل الحزب في تحقيق الأغلبية المطلوبة في الانتخابات الماضية التي جرت في يونيو الماضي رغم أنه حل في المقدمة بـ40.87% من أصوات الناخبين.

الانتصار الكبير لحزب العدالة والتنمية جاء بعد أعمال العنف التي حدثت في تركيا في الفترة الماضية، مما يؤكد أن الشعب التركي يبحث عن الاستقرار الأمني والاقتصادي؛ لذلك استطاع الحزب أن يستفيد من دروس الإخفاق في الانتخابات السابقة ويقدم برنامجا أقنع نصف الناخبين الأتراك بالتصويت له.ويرجع كثير من المراقبين فشل أحزاب المعارضة في هذه الانتخابات إلى فشلها الذريع في تشكيل حكومة ائتلافية طوال ستة أشهر كاملة؛ بسبب وجود انقسامات بينها؛ مما عزز من فرصة حزب العدالة والتنمية إلى تحقيق الفوز، بسبب أهمية عامل الاستقرار الأمني لدى الشعب التركي الذي يبدو أنه لا يريد أن يُحكم بواسطة عدة أحزاب منقسمة على نفسها، لذلك اختار الخيار الأفضل له وهو حزب العدالة والتنمية.

ورغم تحقيق الحزب أغلبية من المقاعد تسمح له بتشكيل حكومة منفردا دون حاجة إلى الأحزاب الأخرى، إلا أنه لم يستطع الحصول على النصاب الذي يسمح له بإجراء استفتاء على تعديل الدستور وزيادة صلاحيات رئيس الجمهورية وهو 330 مقعدا، كما يحتاج الحزب 60 مقعدا إضافيا كي تتمكن حكومته من إدخال التعديلات على الدستور في البرلمان دون إجراء استفتاء، غير أن هناك من يرى أن مثل هذا التحرك سيظل -غالبا- على جدول أعمال الحزب السياسية في الفترة المقبلة. ولكن، هناك في المقابل من يعتقد أن الشعب التركي لن يرضى أن يحكم البلاد مجددا نظام دكتاتوري؛ بعد أن ظل أسيرا للدكتاتورية العسكرية سنوات طويلة.

الانتخابات التركية استأثرت باهتمام بالغ من قبل النخب السياسية والحزبية في العالم العربي؛ بسبب ارتباطها بعدة ملفات ساخنة في المنطقة من أهمها القضية السورية، واستأثرت أيضا باهتمام (الإخوان المسلمين) و(السرورية) في الخليج العربي الذين عاشوا "ليلة انتصار كبير لا تنسى" حتى خُيل للمتابع أن حلم الخلافة الإسلامية الذي يحلمون به دائما قد تحقق أخيرا في تركيا؛ وهو الأمر الذي لم يكن يدور حتى في أذهان الناخبين الذين صوتوا لحزب العدالة والتنمية أنفسهم. وقد كتب الإخواني الكويتي وليد الطبطبائي في صفحته بتويتر قائلا: "مبروك لنا فوز حزب العدالة والتنمية ولا عزاء لإيران وبشار والسيسي والعلمانيين (....)"، وأرجع الطبطبائي سبب ابتهاجه بهذا الفوز بقوله: "ليقوم أردوغان بالتعاون مع الملك سلمان لإنقاذ الأمة لمواجهة العدوان الإيراني"، وبغض النظر عن اللهجة البذيئة -التي تعودناها دائما من بعض (الإخوان) في الخليج للتغريدة؛ يبدو أن الطبطبائي لم يسمع عن زيارة أردوغان إلى إيران في أبريل الماضي والتقاؤه مع كبار المسؤولين الإيرانيين؛ ومن ضمنهم المرشد علي الخامنئي والرئيس حسن روحاني، ولم يسمع أن حجم التبادل التجاري الإيراني مع تركيا بلغ 14 مليار دولارٍ أمريكيّ العام المنصرم، وأن البلدين يهدفان إلى رفعه إلى 30 مليار دولار مع نهاية العام الجاري. ومن المؤكد أنه لم يقرأ في الصحف أيضا أن البلدين وقعا في تلك الزيارة على ثمانية اتفاقات متعلّقة بـ"الأكاديمية الدبلوماسية، والصحة، والطب، والبيئة، والصناعة، والملكية الفكرية، وأعمال المرأة والعائلة، وتبادل البيانات الإلكترونية بين إيران وتركيا بشأن حركة نقل البضائع الدولي".

أما محمد الحضيف، فقال: إنَّ "متصهينة" العرب قلقون من فوز أردوغان، وكأن الحضيف لا يعلم شيئا عن العلاقات الوثيقة بين تركيا وإسرائيل. أما حمود بن علي العمري فقد غرّد في صفحته قائلا: "الحمد لله على ارتفاع سقف الإسلام في تركيا بعد أن كان في زمن الأحزاب الكمالية العلمانية تحت درجة الصفر بدرجات" بمعنى أن الشعب التركي لم يدخل في الإسلام إلا في العهد الأردوغاني فقط، والحمد لله رب العالمين؛ بعد أن كان يعيش الكفر طوال العقود الماضية، ويا ليت الأخ حمود العمري يقنع باقي الأحزاب الأصولية في العالم العربي خاصة "الإخوان" و"السرورية" أن يقتدوا بالفكر الأردوغاني الذي يدعو إلى الدولة العلمانية، وأن يحترموا الأنظمة السياسية في بلادهم، ويخوضوا الانتخابات ببرامج سياسية واقتصادية كما يفعل حزب العدالة والتنمية حتى يرتفع سقف الإسلام لديهم أيضا ويدخلوا في دين الله أفواجا فنكون له من الشاكرين. أما أطرف ما قرأت حول الانتخابات التركية فهي تغريدة الدكتور عبدالله النفيسي الذي غرد قائلا: "مبروك تركيا. مبروك تعز. المعركة واحدة. العدو واحد".

... إنَّ نجاح الانتخابات التركية يُؤكد فشل المقولات التي يروجها الإخوان المسلمون والأحزاب الأصولية في خطاباتهم مثل: "الإسلام هو الحل"، أو "الليبرالية هي شر مطلق"؛ فالحزب الذي وصل إلى السلطة في تركيا لم يصل عن طريق ثورة إسلامية كما حدث في إيران عام 1979، أو انقلاب عسكري يقوده ضباط إسلاميون كما حدث في السودان عام 1989، أو تشكيل عصابات مسلحة وقطاع طرق باسم الدين كما فعلت طالبان في أفغانستان وداعش في سوريا والعراق؛ وإنما عن طريق صناديق الاقتراع وهو إنتاج ليبرالي أصيل ولا وجود له في خطابات الجماعات الإسلاموية. كما لم يستخدم الحزب شعارات دينية كما فعل الإخوان في مصر والأحزاب الشيعية في العراق. ولم يقل أردوجان أن من ينتخب حزبه فهو في الجنة ومن يختار الأحزاب الأخرى هو في النار؛ لذلك اختار نصف الناخبين الأتراك وفيهم إسلاميون وعلمانيون ويساريون حزب العدالة والتنمية؛ ليس لأنهم وجدوا فيه الحزب الذي يقودهم إلى الجنة أو الخلافة الإسلامية؛ وإنما لأنهم رأوا فيه الحزب الذي يستطيع قيادة تركيا العلمانية في السنوات الأربعة القادمة.

وهنا، لا بد أن أُذكّر "إخوان الخليج" بأن الرئيس التركي أردوغان طلب من المصريين عام 2011 أثناء زيارته لمصر أن يتبنوا خيار الدولة العلمانية، وقال بالحرف الواحد: "على المصريين ألا يقلقوا من هذا الأمر، وعلى المناط بهم كتابة الدستور في مصر توضيح أن الدولة تقف على مسافة واحدة من كل الأديان، وتكفل لكل فرد ممارسة دينه". وأوضح أيضا: "أن العلمانية لا تعني أن يكون الأشخاص علمانيين، فأنا مثلا لست علمانيا، لكنني رئيس وزراء دولة علمانية". فمتى يفهم "الإسلاميون" في الخليج الغارقين في أطروحاتهم الإقصائية والطائفية المتخلفة أن تركيا هي دولة علمانية وليست دينية أصولية كما يتصورون؟

تعليق عبر الفيس بوك