مجلس الشورى والشراكة الحقيقية مع الحكومة

عبدالله العليان

بعد انتهاء انتخابات مجلس الشورى -الأسبوع الماضي- في دورته الثامنة، وظهور النتائج في نفس اليوم، مع دقة التنظيم الجيد، والمتابعة الرائعة لسير الانتخابات من قبل الجهات المعنية، يظهر أنَّ المسار الذي اختطته قيادتنا الحكيمة لهذه التجربة الشوروية العمانية، تسير بتدرج محسوب، وبعيدا عن حرق المراحل،والقفزات السريعة التي ربما لا تحقِّق الأملَ المطلوبَ في ترسيخ هذه التجربة التي أصبحت في طور النضوج الآن، بل إنَّنا نرى أنَّ هذا التدرج الذي سارت عليه تجربة الشورى، نجح في مسار الإجراءات المتبعة في تنظيمها، بحيث جعلها تحافظ على الأسلوب الرائع في التصويت، وفي تطبيق الطرق الحديثة المتبعة في إعلان النتائج؛ فالجميع -سواء الذي نجح، أو الذي خسر في هذه الانتخابات- لم يتطرق إلى أي ملاحظة عن سير هذه الانتخابات، وهذا في حد ذاته من المكاسب الرائعة التي عززت مكانة تجربة الشورى منذ تأسيسها في بداية التسعينيات من القرن الماضي حتى الآن، كما أنَّ الذي أسعدنا كذلك ما قاله الصحفيون الذي حضروا وتابعوا الانتخابات الأخيرة في السلطنة،وأبدوا إعجابهم بهذه الإجراءات التي اتسمت بالدقة والمصداقية، والأسلوب الحضاري للعمانيين عند التصويت،وهذا يجسد المعاني الرائعة التي تربَّى عليها هذا الشعب، وأصبحت ثقافة في وعيهم،وفي أسلوب تعاملهم الحضاري، دون صخب، أو توتر،أو تشاجر، وهذه من سماتهم التي تبرز المخزون الحضاري المتراكم منذ القدم.

ولا شكَّ أنَّ الوطن ينتظر الكثير من أعضاء مجلس الشورى المنتخبين في هذه الدورة التي تمتد لأربع سنوات مقبلة، خاصة وأن للمجلس العديد من الصلاحيات القانونية والتشريعية، ومناقشة الموازنات الحكومية...وغيرها من الصلاحيات التي يناقشهاالأعضاء مع المسؤولين في الحكومة وفق لائحة المجلس، وهذا واجب ومسؤولية لابد من القيام بها بما يحقق المصلحة العامة على وجه الخصوص،كما أنَّ الدولة يهمها شراكة الفعلية بين الشورى الحكومة، ومجلس عمان عموما بغرفتيه (الدولة والشورى)،وفق الصلاحيات الجديدة للمجلسين،وهو ما أكده جلالته في العديد من خطاباته في مجلس عمان في الدورات السابقة. ولا شك أن التوجيهات السديدة لجلالته حول الشراكة بين المجلس والحكومة، يجب أن تُستثمر بطريقة إيجابية وبناءة لما فيهامن تعزيز للتعاون القائم بصورة أفضل لتحقيق الأهداف والتطلعات التي وضعتها الحكومة للتنمية الشاملة في كل بقعة من أرض عمان.

ونلاحظ أن الكثير من المشروعات العملاقة والخطط والبرامج المهمة في مسار التنمية التي تضعها بعض الوزارات والهيئات المعنية يتم الآن مناقشتها في مجلس الشورى بعد الصلاحيات الجديدة للمجلس مع مجلس الدولة، وننتظر المزيد من الصلاحيات لمجلس عمان تعزز هذه الشراكة،وهذه الإحالات من المشروعات إلى المجلس تساهم في جهود الحكومة في التقييم والمراقبة وإبداء الملاحظات على الموازنات والمشروعات الحكومية السنوية، وهذا لا يعطل من تحركها في مجال اختصاصاتها، بل إنَّ قيام المجلس -مع مجلس الدولة- بمراجعة ومناقشة ووضع بعض الاقتراحات على هذه الخطط والبرامج والمشروعات، مع الاستعانة بالمختصين والخبراء المعنيين من الجامعات والمؤسسات ذات الاختصاص، سوف يُسهم في تقوية التعاون بموجب هذه الشراكة التي تحدث عنها جلالته المفدى.

فالتعاون والتعاضد في هذا المجال لهما أثر كبير على مسار التنمية الناجحة، لجعل المشروعات والخطط التي توضع للحوار والنقاش قبل تنفيذها مدى أفضل وأجدى،ولتلافي السلبيات والثغرات التي قد تبرز من خلال الحوارات والمناقشات، وتكون الكرة -كما يقال- في ملعب ممثلي الشعب العماني من خلال مناقشاتهم ومقترحاتهم، وحتى لا يقال إنَّ الحكومة أقدمت على مشروعات وخطط وبرامج دون الرجوع إلى المجلس وأخذ مشورته أو الاستفادة من بعض مقترحاته في هذا الشأن، وهذه المشروعات التي نسمع عنها هامة وضرورية، لكن الحوار والنقاش والتداول في مثل هذه القضايا والأفكار ستتبلور آراء قد لا تكون في الحسبان؛ لذلك فإنَّ الطرح والمناقشة سيعطي آفاقا أكثر رحابة، وستسهم في صالح هذه الخطط والبرامج والمشروعات في ربوع عمان؛ فالعالم اليوم عالم مفتوح،ولم تعد قضايا المجتمعات منغلقة على نفسها لا يُعرف عنها شيء،القرية الآن أصبحت عالماً وليس العكس،وما يهمنا أصبح يهم غيرنا،وما نطالب به له وقع عند الآخرين.التجربة الشورية العمانية كانت عند انطلاقتها الأولى حديث الصحافة ومحطات التلفزة العربية والعالمية،ومناقشة كُتَّاب ومحللين وأحاديث مع باحثين لاستقراء التجربة العمانية؛ باعتبارها خطوة متقدمة على طريق الديمقراطية والاختيار الحر النزيه.إذاً التجربة خرجت من نطاقها المحلي إلى العربي والعالمي من أقصاه إلى أقصاه.

لذلك.. فإنَّنا نتطلع من مجلس الشورى، مع مجلس الدولة،أن يرتفعا بقضايا الوطن وهمومه إلى مستويات رفيعة طرحاً وتناولاً وبحثاً في كل مجالات التنمية، وأولها الإنسان العماني صانع النهضة ومحورها الأساسي -كما قال القائد المفدى- كيف ننهض بمستواه!.. كيف نحسن دخله!.. كيف ندفع بطموحاته إلى الأمام تعليماً وتدريجاً وإبداعاً في كل مناحي الحياة! وهذه الأمور الجوهرية هي مطلب المواطن العماني من مجلسي الدولة والشورى في دورته المقبلة.

فالمجلسان شريك واحد للحكومة، وهذه الشراكة عليها مسؤولية كبيرة، لا يجوز التخلي عنها لهذا الشريك وحده يصيِّغ ما يريده،دون مشاركة الشريك الآخر (الدولة والشورى). إنها مسؤولية جسيمة كما قال جلالته حفظه الله: "أنتم أول من يتحمَّلها، وأمانة عظيمة أنتم في مقدمة من يُسأل عنها.. فلا بد من تقديرها حق قدرها وأداؤها على الوجه الأكمل"، الذي يمهد الطريق لمزيد من التطور في مستقبل الأيام أمام هذه التجربة الرائدة التي تختلف في العديد من جوانبها عن تجربة المجلس الاستشاري للدولة، بما منحته لمجلسكم بمقتضى مرسوم إنشائه من اختصاصات واسعة؛ من بينها: صلاحيات تشريعية تتفق والمستجدات الناتجة عن التطور السريع الذي تشهده البلاد، وهي صلاحيات مهمة تستوجب استيعاباً كاملاً لمتطلبات الحياة الاجتماعية والاقتصادية في العقد الأخير من القرن العشرين. وهذه المسؤولية تتطلب الكثير من الأعضاء بالمجلسين أن يتناولوها في مناقشاتهم في الدورات المقبلة، والأهم في هذه القضايا ثلاثة أمور أساسية تشغل بال المواطن العماني، ونرجو أن يسهم المجلسان في تناولها بجدية؛ وهي: قضية التعليم بمجالاته وتفرعاته المختلفة (التعليم من أجل التعليم)، ومسألة التوظيف ومعوقاته أمام الشباب (انخفاض أسعار النفط، وكيفية مواجهة هذا الانخفاض، وتطوير قوانين الاستثمار، والاهتمام بتطوير الخدمات السياحية)، إلى جانب قضايا التنمية والاقتصاد وتطوير الأداء الإداري...وغيرها من القضايا التي تهم المجتمع وتسهم في تطوره، وهذا ما نأمله من مجلس عمان، في الشراكة الحقيقية التي تهدف لخدمة الوطن والمواطن، والبحث بجدية عن السبل الكفيلة لمواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة.

تعليق عبر الفيس بوك