اسم أمي حليمة!!

 

أنيس رضا قمر سلطان

يُحبُّ الرجالُ النساء، والنساءُ الرجال. ويفشل الآباء والمعلمون وحتى شيوخ الدين والسياسيين إذا ما حاول أحدهم التصدي لمثل هذا الانجذاب؛ فهذه عاطفة جامحة وطبيعية، وهناك عاطفة أخرى جامحة ولكنها بعيدة كل البعد عن الطبيعة، ألا وهي غيرة الرجل العربي على "نسوته".

يشعرُ الرجل العربي بأنَّ عليه واجب حماية النصف البشري الألطف، وهو شعور راسخ جاء نتاج قرون من الهيمنة الذكورية على مؤسسة العائلة العربية. ويظن البعض أن الواجب الديني يحتم عليه ستر "الحُرمة". وإذا ما راجعنا ديننا المسالم نجد أنه جاء ومعه أحكام وتشريعات تحمي المرأة من ظل مجتمع كانت المولودة فيه مصدر شؤم وعار. اعتاد ذلك المجتمع على وأد البنات رامياً بعَرض الحائط نواح الأمهات وتضرعات الزوجات. أما من بقي حيًّا من النساء فقد استمدَّ الرجل قوةً من غيرته عليهن أسعرت حروباً أنبتت دماؤها الحقد والغل لأجيال.

ولنتذّكر ونعِي أن الإسلام أباد العبودية ونادى بالمساواة. لذلك على مفاهيمنا وتفسيراتنا الدينية أن تضمن وتتضمن هذه الحقوق للمرأة. وعلى أي حال، فإنَّ الحماية شيء والتحكم شيء آخر. وما هو هذا الشيء الذي يستوجب تلك الحماية المُحكمة؟

اليوم.. وبعد مرور أربعة عشر قرناً من عصر الجاهلية، يعيش الرجل والمرأة تحت ظل مجتمعات يحكم أغلبها قانون سائد ونافذ. وعندما تبصر المرأة العِلم، تعي تماماً أن بمقدورها التحكم في حياتها وحماية مصالحها بنفسها. فترفض سيطرة الرجل، ويرفض الرجل رفضها. فكيف له أن يتهاون في منافع السيطرة؟!

لو أدرك المرء قيمة العلاقة المبنية على التقبل والموافقة مع ندٍّ له لتلذذ بهذه العلاقة واستبسل في الدفاع عنها، بل ولنبذ ما بُنِي على تحكم وقهر. وأي مروءة او "مرجلة" هذه في التغلب على من هو أضعف؟!

أرى اليوم وأتفاجأ بهذا الكم الهائل من رجال اليوم الذين رأوا بأنفسهم وعاشروا مجتمعات أخرى، إلا أنهم لن يقدموا على قضاء أمسية مع زوجاتهم بمعية آخرين من خارج نطاق عائلي ضيق. ويرسل البعض أطفاله البنين الى مدارس خاصة وأخرى مختلطة في حين تُرسل البنات إلى مدارس دنيا.. مبادرة موجعة للحد من تأملاتهن وتأملات المجتمع منهن. ألا يذكرنا هذا بوأد البنات؟!

لا أرى أية حماية هنا سوى لنفوذ الرجل ومكانته. تستطيع المرأة أن تستر نفسها بذاتها، أما ما يفعله رَجلُها فهو حجب النور عنها. من أوجب السواد في خمار المرأة؟ للون دلالات كثيرة ومؤثرة، والأسود قد يدل على القوة والأناقة.. وقد يشير إلى الكآبة أو إذعان المرأة للرجل الغيور. وقد سألت العديد من النساء عن خيارهن للون ما يغطي أهم جزء يعرف بهويتهن -الرأس. وتفاوتت إجاباتهن من المباشر مثل "أمر الزوج، لا يريدني أن أجذب الانتباه" إلى من تتفادى الموضوع بقول: "إنه الأسرع عند استعدادي في الصباح للذهاب إلى العمل". سألتهن أيضاً ما إذا كنَّ ليرتدن الألوان إذا سُمِح لهن. أجابت الغالبية بإيماءة. نعم! أولم نرَ تنافس الألوان في إبراز أنفسها في اللباس العماني؟

يخجل الرجل أيضاً ويغار على اسم زوجته وأمه فيناديها بأم فلان وكأن الاسم عورة يجب سترها أيضاً. وحضرني عنوان هذا المقال في ذكرى صديق عزيز لي صرخ في وجه زملائه معلناً أنه فخور بأمه وباسمها عندما نَهَرَهُ أحدهم في ذكر اسم أمه أمام غريب مثلي. ويكاد أن يكون هذا التستر جزءاً قد تشكل في جينات النساء أيضاً فأصبحن يتوقعنه. كم من امرأة تخفض نظرها ويتبعثر توازنها عند دخول رجل في مصعد هي فيه، وكأنها أجرمت وقد أُكتُشِف جرمها. تستطيع المرأة المؤمنة بذاتها والتي لم تنشأ على أسلوب الحماية هذا الحد من تجاوز أية نظرة من أي رجل... ببساطة.

ومع كل أساليب "الحماية" والتستر، لن تستطيع أجهزة فك الشيفرة كشف ما اتفق عليه قلبين في رسائلهما الجوالة. ولن يستطيع أي خمار من ستر وميض يبرق في عينٍ تدعو وترحب. ولن تنكف الآلاف عن إزالة عباءاتهن عند إقلاع طائراتهن إذا لم يُسلِّمنَ بضرورة هذه الحماية المزعمة.

لعلَّ المؤشرات تدعونا لتَقبُّل إنسانيتنا، وأن الشروع في خلق علاقات أمر مشروع. إنما على مجتمع مسلم أن يتحلى بالوعي لكي تتكون هذه العلاقات بطريقة سوية تمنح جميع أطرافها الحب والاحترام.

تعليق عبر الفيس بوك