المشاركة في جايتكس تبخر جراثيم الطائفية

عبيدلي العبيدلي

شكّل الحضور البحريني في معرض جايتكس هذا العام علامة فارقة في مسيرة هذه المشاركة، التي تقترب من قطف ثمار عقدها الأول، نظرًا للظروف الموضوعية والذاتية التي تعيشها منطقة الخليج العربي على نحو عام، وشركات التقنية البحرينية بشكل خاص.

فعلى المستوى الاقتصادي، ليس هناك من بوسعه انكار التراجع الكبير، وربما المفاجئ في أسعار النفط، الذي يحرم البحرين كدولة من نسبة عالية من مدخولها الوطني. يتضاعف الأمر سوءا عندما ندرك أن ذلك يحرم البحرين من نسبة عالية أخرى من الدعم الذي تتلقاه من شقيقاتها من بعض دول مجلس التعاون. وتزداد الحالة ترديا عندما يضاف لها المجهود الحربي في "عاصفة الحزم".

تتفاعل هذه العوامل السلبية التي ينبغي مراعاتها، مع ضرورة إعادة جدولة الأولويات، كي تحتل متطلبات المجهود الحربي درجات السلم العليا، على حساب الأخرى مثل المشاركة في المؤتمرات التي ربما يرى فيها البعض "ترفا إعلاميا" ينبغي التخلي عنه. ويقتضي كل ذلك التقتير في النفقات قدر المستطاع.

كل تلك العوامل شكلت عقبة كأداء كادت أن تقود إلى التخلي عن فكرة المشاركة، لولا تظافر مجموعة من العوامل التي يمكن رصد الأهم منها، فهي التي مهدت الطريق، وساعدت على تجاوز تلك الحواجز.

يأتي في مقدمة تلك العناصر الإيجابية تظافر جهود مجموعة من المؤسسات الرسمية تتقدمها "تمكين"، سوية مع "مجلس البحرين للتنمية"، ومعهما " الحكومة الإلكترونية"، دون إغفال ما قدمته وزارة الإعلام. وبقدر أهمية مبادرة هذه المؤسسات بالدعم أو المشاركة، فلا بد من التوقف عند الدعم المالي السخي الذي قدمه "تمكين"، والذي مارس دورا إيجابيا مهما في الانتقال من مرحلة التفكير في إيجاد البدائل، إلى نقطة التحضير للمشاركة.

يلي ذلك، تلك الخطوة الإيجابية الأخرى التي خطتها الشركات البحرينية التي يتشكل منها الرواق البحريني في جايتكس 2015، والتي رغم كل الظروف الصعبة التي تعمل تحت ضغوطها، لكن 25 شركة منها سارعت إلى الحضور، متحملة في ذلك الكثير من الأعباء، ليس الجانب المالي سوى واحدا منها فقط.

بل شكل الحضور البحريني هذا العام في جايتكس علامة فارقة أخرى لتميزه في الحركة والتواصل والتشبيك مع الأجنحة الأخرى، مما أدى إلى ظاهرة ملفتة للنظر، أسر بها أحد المسؤولين في إدارة معرض جايتكس في أذن أحد المسؤولين عن إدارة الرواق البحريني.

كل ذلك ساعد الشركات البحرينية المشاركة على الاستفادة بشكل ملموس من الأهداف الرئيسة التي تدفع بالبحرين إلى المشاركة في هذه الفعالية ذات الحضور المميز في اقتصاد المعرفة من جانب، وفي سوق الاتصالات والمعلومات من جانب آخر.

إذ يتوسط مثلث زوايا تلك الأهداف الهدف الرئيس وهو الترويج لصناعة المعلومات والاتصالات البحرينية من خلال هذه المشاركة. ويحتل تلك الزوايا ثلاثة أهداف متكاملة هي:

الأول منها له علاقة بسوق الاتصالات وتقنية المعلومات الدولية، إذ تتيح مثل هذه المشاركة للشركات البحرينية فرصة الاتصال المباشر بآخر الابتكارات في هذه السوق من خلال الاحتكاك المباشر مع الشركات العالمية الرائدة فيه من أمثال "مايكروسوفت"، و"أوراكل"، وساب (SAP) من جانب، والاطلاع على آخر التطويرات التي طرأت على منتجاتها من جانب آخر.

ويأتي الثاني منها كي يفسح في المجال أمام الشركات البحرينية المشاركة كي تقارن وفي موقع واحد بين أفضل التطبيقات المعروضة كي تختار ما تراه ما تراه مناسبا للسوق البحرينية ويلبي احتياجات تلك السوق. وتتميز منتجات وخدمات صناعة الاتصالات وتقنية المعلومات عن سواها من الصناعات الأخرى ببعض المتطلبات والاحتياجات التي تجعل قرار الاختيار عملية تشوبها بعض التعقيدات، وتقتضي بعض الخبرة.

وعلى أرضية ذينك الهدفين يبرز الهدف الثالث، وهو كون الرواق البحريني في جايتكس محطة مغرية تجذب نحوها العديد من صناع قرار من مستخدمي منتجات هذه الصناعة وخدماتها في السوق البحرينية ذاتها، ومن ثم تتيح المشاركة أمام الشركات البحرينية فرصة كبيرة للتعرف المباشر على هؤلاء، وتلمس احتياجات المؤسسات العاملين فيها. هذا الزواج الآني بين المزود والمستفيد يقلص الكثير من الجهد والنفقات التي تتطلبها إدارت التسويق في الشركات المعنية.

بقيت حادثة طارئة، ليست لها علاقة البتة بتقنية الاتصالات والمعلومات، وهي مشادة بدت لي في الوهلة الأولى أنها خلاف بين أصحاب شركتين من الشركات العارضة، تحاشيت أن أقترب منهما خشية أن تكون أرضية ذلك الخلاف سياسية، أو، والعياذ بالله طائفية، حيث أن ظروفا طارئة اقتضت أن ينقسم الرواق البحريني إلى جناحين في قاعتين منفصلتين، لكن ما أن اقتربت من نقطة، ما بدا أنه ملاسنة، حتى بدت لي الصورة أشد وضوحا وأكثر بريقا. لقد كان مصدر الخلاف هو محاولة كل مسؤول من الشركتين إعطاء أولوية الخيار للطرف الآخر في تحديد الجناح الذي يراه هذا الآخر أكثر ملاءمة لمعروضاته من الخدمات التي يوفرها والمنتجات التي بحوزته.

لا أدري أن كانت الصدفة وحدها، أم القدرة الربانية هي التي جعلت اختلاف المسؤولين في الطائفة التي ينتمي لها.

ألمت بي موجة خجل من هذا التفكير الذي سيطر على ذهني، واجتاحتني موجة فرح أخرى تقول لي إن البحرين ما تزال بخير، وإن أهل البحرين بعيدين كل البعد عن كل ما يوسمون به من تخندق طائفي.

لقد بخر الحضور هذا العام في جايتكس من سماء الرواق البحريني كل جراثيم الطائفية التي يحاول البعض أن ينشرها، وحقق هدفا أكثر سموا، بل وحتى أهمية من الأهداف الأخرى كافة، وهذه مسألة لم تخطر على بال الجهات المنظمة للرواق أو تلك التي تقف وراء نجاحه.

كانت تلك مفاجأة الرواق، لكنها كانت مفاجأة جميلة أثلجت صدور المشاركين، ورسمت خارطة البحرين بشكل تخايلي (Virtual) في أذهانهم وفوق صدورهم، وعلى هاماتهم.

تعليق عبر الفيس بوك