أنقذوا القطاع الصحي

حميد بن مسلم السعيدي

Hm.alsaidi2@gmail.com

الحكم الذي جاء على لسان وزير الخارجية واصفًا المؤسسات الحكومية بالترهُل جاء في وقت تمر به جميع القطاعات الخدمية بمرحلة من الانخفاض في مستوى الجودة في العمل الإداري أو الخدمات التي تقدم للمواطنين، وبالرغم من مرور فترة زمنية على صدور هذا المصطلح، والذي توقعنا أن تأخذه الجهات المعنية بالأمر بمزيد من الجدية وتجري إصلاحات في سبيل تطوير العمل الإداري، إلا أننا ندرك يوماً بعد آخر أن مستوى الهبوط مستمر دون أن يكون هناك أمل في تغيير تلك السياسات الإدارية، لذا فالمواطن اليوم يشتكي من كل المؤسسات الخدمية خاصة الرئيسية والتي لها أثر في بناء المواطن ومنها القطاع الصحي.

فالجودة في العمل قائمة على ما يبذله المسؤول والموظف من إخلاص وأمانة فيما يقوم به من خدمات يقدمها للمؤسسة التي ينتمي إليها، وتصف الجودة بأنها"مقياس للتميز أو حالة الخلو من العيوب والنواقص والتباينات الكبيرة عن طريق الالتزام الصارم بمعايير قابلة للقياس وقابلة للتحقق لإنجاز تجانس وتماثل في الناتج ترضي مُتطلبات مُحددة للعملاء أو المستخدمين" ومعيار أيزو -1986 يحدد الجودة على أنها "مجمل السمات والخصائص لمنتج أو الخدمة التي تجعله قادراً على تلبية الاحتياجات المذكورة صراحة أو المضمنة"، ولكن عندما نعكس هذا المعيار على العمل المؤسساتي نجد أنها بعيدة جداً عن تحقيقه، خاصة وأنّ الكثير من المواطنين يبحث اليوم عن الخدمات التي يحتاجها من مؤسسات خارجية، ويحاول الابتعاد عن المؤسسات الحكومية، وهذا ما أوجد فقداناً للثقة بين المواطن وهذه المؤسسات، بل البعض يلجأ للأساليب غير القانونية للوصول للخدمات التي يحتاجها نتيجة للمماطلة والتسويف وضعف الخدمات المقدمة.

ويُعد قطاع الصحة من أهم القطاعات الخدمية في البلد لما له من دور في توفير البيئة الصحية والتي تنعكس على حياة المواطن بحيث يصبح قوة بشرية قادرة على العطاء والمشاركة في عملية البناء، والعكس من ذلك فتدهور هذا القطاع يؤثر بدرجة كبيرة على النمو الاقتصادي؛ لأنّه يساهم في إيجاد مواطنين غير قادرين على الإنتاج ويعانون من الأمراض المزمنة التي لم تجد الدواء أو العلاج المناسب؛ مما يتسبب في خلق فجوة كبيرة داخل المجتمع، نتيجة لعدم مقدرته على تقديم خدمات ذات جودة عالية، خاصة مع ما يشهده هذا القطاع من أخطاء طبية متوالية أصبحت حديث الشارع العُماني نتيجة للإهمال وعدم وجود الخبرة الكافية وانخفاض الرغبة في العمل لدى بعض الأطباء والممرضين، مما ساهم في كثرة الشكاوى ضد المستشفيات دون أن تجد من يستمع إليها.

فلم يجد المواطن إلا أن يستغيث برب العباد ويصرخ من الألم بغية البحث عن بصيص أمل للشفاء، فلجأ إلى بيع أملاكهأو اللجوء إلى الناس لجمع المالوحزم حقائب السفر بحثاً عن العلاج، فيتعرضون للسجن والغربة والبعد عن الوطن، من أجل البحث عن الدواء، بعد أن فقدوا الأمل في أطباء الوطن، فقدوا العلاج دون الحصول على التشخيص الحقيقي، فقدوا كل شيء ورحلوا يبحثون عنه في مكان آخر.

فما يحدث في القطاع الصحي من تدهور عام وشامل في جميع خدمات الرعاية الصحية التي تقدم للمواطن، يحتاج إلى وقفة جادة وإيقاف هذا الإهمال وعدم المبالاة في هذا القطاع الحيوي والمهم والذي يُعد من أهم القطاعات الخدمية، في ظل ما ينفق من ميزانية ضخمة لهذا القطاع والذي وفرت به كل الاحتياجات الطبية من مبانٍ وخدمات وأجهزة تُعد الأفضل على مستوى العالم، إلا أنها افتقدت لذلك الكادر الطبي القادر على أن يخلص في عمله من أجل مصلحة الوطن، فالأطباء لا يعطوا المريض حقه من الوقت في قراءة المرض وإجراء التشخيص المناسب، أو قراءة التقارير الصادرة من المختبرات الطبية، وما يدل على ذلك أنّه عندما يسافر المريض للخارج يتفاجأ بأنّ كل شيء غير صحيح وكأنّه تعرض للفحص من أشخاص ليست لهم دراية بالطب، فهناك مئات الشكاوى من المواطنين وتعرض لإصابات طويلة المدى نتيجة عدم التشخيص أو الحصول على العلاجغير المناسب للحالة المرضية التي يعانون منها،وأخطاء طبية تحدث لحالات مرضية بسيطة جداً، وتقارير طبية غير حقيقية، وخدمات ورعاية صحية غير مناسبة، وإهمال للمرضى في المراكز والمستشفيات الطبية، كل ذلك والوضع على حاله لم يتغير، نفتقد حتى للقانون الذي يجرم الإهمال وعدم التشخيص المناسب للحالة المرضية، فلا يمكن القبول اليوم بكل ما يحدث في هذا القطاع من أخطاء طبية، تحت أي أعذار تصاغ.

اليوم البلد بحاجة إلى مؤسسة رقابية لمتابعة مدى الجودة في الخدمات التي تقدم في كل القطاعات الخدمية، يناط بها صياغة القوانين والأنظمة التي تضع المرجعية التي يمكن العودة إليها في معالجة كل قضايا الإهمال والترهل والفساد في جميع المؤسسات، وبناء المعايير التي يعتمد عليها في إصدار الأحكام بحيث لا تترك المؤسسات بهذا المستوى من الأداء، فإذا كنا اليوم نعاني من الأزمة الاقتصادية، فأزمة الترهل والفساد والإهمال أكبر قضية تواجه البلد في المستقبل؛ لأنه لا يمكن بناء قاعدة اقتصادية قوية في ظل الوضع الراهن، وهذا أحد عوامل الإخفاق في تحقيق أهداف الرؤية الاقتصادية لعُمان 2020، والتي أخفقت بحكم كل المحللين والمتابعين لها، فدول العالم المتقدماعتمدت على منهجية قانونية قائمة على الجودة في عمل المؤسسات، بحيث إن ما ينفق من ميزانية عليه أن يستعاد بخدمات وإنجازات في كل القطاعات.

تعليق عبر الفيس بوك