زواج الأقارب.. الحب الذي يهدد بتدمير مستقبل الأسرة وتكبيل الأبناء بأمراض وراثية

رصدت التجربة-مدرين المكتومية

ب. س رجل يبلغ من العمر 47 عامًا، هادئ الطبع والملامح، تزوج ابنة عمه بعد انتظار طويل وبعد قصة حب قررا أن تتوج ببيت صغير يضمهما جنباًإلى جنب أطفالهما، لكن القدر لم يأتِ كما رغبا تماما...

فبعدما أنجبا أول طفل لهما، خرج إلى الحياة مصاباً بنقص في النمو، ونتج عنه كبر حجم الرأس ونقصان في شكل الجسد، الأمر الذي أصاب الأم والأب بحزن شديد، إذ عانت الأم مع ابنها لفترة طويلة وهو يخضع لمجموعة من العمليات الجراحية وما كان منهم إلا أن يتقبلوا الوضع.. لكن الأطباء طالبوهم بالخضوع للفحوصات والتعرف على أسباب إعاقة الابن، وما إذا كان وراءها أسباب جينيةأم أن الأمر مرتبط فقط بالقدر، ومع الوقت أظهرت الفحوصات أن الأبوين لا تتناسب جيناتهما مع بعضهما، نظراً لصلة القرابة بينهما، واستمرار الإنجاب سيفضي باحتمالية كبيرة إلى أبناء يعانون من تشوهات خلقية وأمراض وراثية.

قلق الإنجاب

ظل ب.س لمدة 5 سنوات يعاني القلق، إذ بات يخشى من أن يرزق بطفل آخر معاق ذهنيا،فما كان منه إلا أن تناسى ما قاله الطبيب وعزا الأمر لقضاء الله وقدره.. وفعلاًأنجبت زوجته طفلة تتمتع بصحة جيدة وكانت تلك الطفلة بمثابة هدية جميلة منحها الرب لهما بعد خوف وانتظار وتردد أيضًا. لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، فعندما وجد أنه قادر على الإنجاب مرة ثالثة، قرر الإنجاب، وبالفعل رزق بمولودة ثالثة، لكنها ولدت مصابة هي الأخرى بمشكلات في النمو، ومن هنا طلب منهم الطبيب أن يتوقفا عن الإنجاب، وعدم توريط الأبناء في المستقبل، لكنهما لم يستمعا لنصائح الطبيب، على أمل أن يكون الطفل الجديد معافى، وفي صحة أفضل،حتى رزقهم الله أربعة أطفال معاقين مقابل طفلين سليمين، ولم تكن المشكلة في الإنجاب ولم يضعا نصب أعينهم ما الذي سيحدث لهما في المستقبل.

يقول ب.س: "لقد عانيت كثيرًا في البداية من رؤيتهم على هذه الأحوال وليس لي حيلة ولا قوة على تقديم المساعدة لهم، فقد خضعوا لعمليات طبية كثيرة لأجل إيقاف مشاكلهم الجسدية، لكن دون فائدة، وبدأأبنائي يكبرون ويحتاجون لمزيد من الرعاية، فالأم لا تستطيع أن تراعي 6 أبناء منهم 4 يعانون الإعاقة، وحاولت جاهداً أن أقدم الرعاية لهم فجلبت خادمات للمنزل، لكن ذلك لم يكن كافياً، كنتأقطن في منطقة ريفية بعيدة عن العاصمة مسقط التي قد أجد فيها أماكن لرعايتهم وبالتالي كان الحمل أثقل، وحين بدأ الأطفال يكبرون شعرت بالأسى حيال أبنائي الذين لا يرتادون المدارس ولا يرتادون دور رعاية وليسوا قادرين على الاندماج في المجتمع". ويضيف: "بدأ هاجس داخلي من الخوف من الموت وما الحال التي سيؤول إليها أبنائي من بعدي، فزوجتي لا تعمل وليس لدي من يهتم بأمر الأبناء.. أشعر بالأسى الكبير والحزن بسبب قراراتي الخاطئة في مواصلة الإنجاب، فلم أفكر كيف سأقدم لهم العنايةالكاملة وكيف سيعيشون حياة طبيعية وكيف سيخدمون أنفسهم في المستقبل، وها أنا اليوم أقف حائرًا لا أعلم ما الذي سأقوم بفعله وليس لي حيلةأو قدرة على البحث عن حلول، ففي كثير من الأحيان تراودني فكرة التقاعد للبقاء مع والدتهم ومساعدتها، لكن أعود للتفكير في كيفية تدبيركل احتياجاتهم".

لوم مستمر

ويمضي قائلاً: "إنّمن المؤسف أن أسمع كلمات اللوم من جميع من حولي، دون أن أملك ردا يسكتهم، صحيح أنني أشكر الله على نعمته، لكني لا أشعر بالرضا لما أنا عليه، فنظرة الإشفاق تجاه أطفالي أراها في عيون من حولي ومن يرى أبنائي، فلا استطيع أن أذهب معهم لمكان، ولا نستطيع الاجتماع معاً خارج المنزل، ولا نستطيع أن نسافر أو أن يغيب أحدنا عن المنزل لساعات طويلة خوفاًمما قد يحدث لهم، أو أي مكروه يصيبهم، وحين أراهم أود البكاء لأنني لم أفكر في أمرهم عند الكبر".

معاناةحقيقية

ويرى (ب.س) أن زواج الأقارب مشكلة حقيقية وليست مجرد كلمات نسمعها في وسائل الإعلام، حيث يقول: عانيت من زواج الأقارب كثيراً على الرغم من حبي الكبير لزوجتي، لكني أدركت أن الحب وحده لا يؤسس لأسرة سعيدة، فما الذنب الذي اقترفه هؤلاء الأطفال لأجل أن يكبروا فيجدوا أنفسهم غيرقادرين على الحياة،أشعر أن الأنانية بلغت مبلغا كبيرا في نفسي إذ سمحت لنفسي بالإنجاب رغم أني على يقين بأنّالأطفال سيولدون وهم يعانون الإعاقة،وليس هذا فقط فقد قدم لي الطبيب النصح لكني لم أنصت له".

وتابع: "لقد كانت فرحة الإنجاب في كثير من الأحيان لا توصف، لكنبعد الإنجاب تبدأ المعاناة الحقيقية، لذلك أنصح الجميع بأن يتخلصوا من أنانيتهم التي قد تتسبب في مشكلات لآخرين، علينا أن نتزوج لأجل أن يكون لنا أطفال قادرين على أن يعيشوا حياة طبيعية ويمارسون حياتهم بكل سعادة، فالابتعاد عن زواج الأقارب ضرورة ملحة في ظل هذه المشاكل المترتبة على زواج الأقارب، ويجب أن ينظر الطرفان إلى الحياة الزوجية بنوع من العقلانية والابتعاد عن العاطفة".

تعليق عبر الفيس بوك