السياسة العدوانية وراء مأساة اللاجئين

فهمي الكتوت

أثارتْ قضية اللاجئين السوريين ردودَ فعل مختلفة خلال الأسابيع الأخيرة، بعدما تسبَّبت الأعداد المتزايدة في الهجرة إلى أوروبا عبر البحار بكوارث إنسانية. بسبب الوسائل غير الآمنة في نقل عشرات الآلاف من السوريين والعراقيين، التي أودت بحياة الآلاف منهم بحوادث مفجعة هزت الضمير الإنساني. دعونا نعترف أولا بأن هؤلاء اللاجئين هم ضحايا الحرب القذرة التي اشعلتها الدوائر الاستعمارية بهدف تدمير البشر والحجر والحضارة الإنسانية والتراث العربي. وليسوا من الفئات التي فشلت في التعايش مع مجتمعها، وأن كلَّ مهاجر عربي عن أرض وطنه يعتبر استنزافا للطاقات البشرية الغنية بالمعرفة والخبرات التي يحتاجها الوطن بغض النظر عن التعددية بنمط التفكير بين أبناء المجتمع الواحد.

ما كان ممكنا أن تصل الأوضاع السياسة في المنطقة العربية إلى هذا المستوى من التردي لولا احتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق، ولولا التدخل المباشر وغير المباشر لدول حلف الأطلسي في سوريا وليبيا...وغيرها من المناطق الساخنة. خدمة لمصالح الاحتكارات الرأسمالية، التي لا تتورَّع عن ارتكاب أبشع الجرائم لاستمرار نهب الثروات العربية. ولعل هذه الظاهرة الخطيرة تقودنا نحو تشكيل تيار شعبي عريض في مواجهة الجرائم التي ترتكبها الامبريالية الأمريكية بحق شعوبنا العربية.

قُوبلت حالات الهجرة المتزايدة بمعاملة غير إنسانية في كثير من الحالات؛ فقد شوهد على شاشات الفضائيات أشكال مختلفة من الاضطهاد والإذلال من قبل رجال الأمن المجريين وغيرهم للاجئين. كما استغلت التيارات اليمينية الفاشية، تزايد عدد المهاجرين لتأجيج المشاعر العنصرية المعادية للعرب والمسلمين، فقد دعت مارين لوبان من الجبهة الوطنية الفرنسية الفاشية لإغلاق حدودها تماما في وجه اللاجئين، كما أعلنت الحكومة الفرنسية عن رغبتها في استقبال عدد محدود من المهاجرين، يفضل ان يكونوا من المسيحيين. لم تنحصر الرؤية العنصرية بالتيار الفاشي الفرنسي وحده؛ فالحكومة الفرنسية ومعها عدد من الحكومات الأوروبية عملوا ضمن خطة تستهدف تهجير العرب المسيحيين من اوطانهم، ومحاولة انتزاعهم من جذورهم وتاريخهم، وقد تساوقت مواقف الحكومات العنصرية مع ممارسات الحركات الظلامية التكفيرية التي استهدفت المسيحيين على وجه الخصوص بالاضطهاد والتنكيل والتهجير.

في حين قُوبلت جموع اللاجئين بمشاعر إنسانية تستحق كل التقدير من قبل الشعوب الأوروبية المحبة للسلام والتي تعاملت معهم باعتبارهم ضحايا جرائم الاحتكارات الرأسمالية. في حين لم تخف الاحتكارات الألمانية دوافعها الاقتصادية في قبول اللاجئين السوريين والعراقيين، والمغلفة بدوافع إنسانية، فقد انطلق الموقف الألماني من حاجته للأيدي العاملة الرخيصة، في بلد يُعاني من تراجع عدد السكان وتعتمد على المهاجرين الأجانب للحفاظ على التوازن السكاني؛ حيث تشير بعض الدراسات الى تراجع عدد سكان دول الاتحاد الأوروبي من السكان الأصليين، خاصة في ألمانيا التي تمثل أكبر الاقتصادات الاوروبية. فإنَّ عدد سكان ألمانيا يتناقص سنويًّا، ويتم تعديل هذا التناقص بزيادة طفيفة من المهاجرين الأجانب.

لهذه الأسباب رحَّبت ألمانيا باللاجئين؛ وأعلنت أنها سوف تخصص أكثر من مليار دولار لتحقيق اندماج سريع للاجئين الجدد وتوفر لهم الإعداد والتدريب وتعليم اللغة الألمانية وتوفير فرص العمل خلال ثلاثة أشهر؛ فقد أوصتْ المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل برلمان بلادها قائلة: "من يأتون إلينا طالبين اللجوء يحتاجون إلى مساعدتنا حتى يتسنى لهم الاندماج سريعا، وسيكون من الضروري مساعدة مثل هؤلاء الأشخاص على تعلم الألمانية بسرعة، والعثور على وظيفة"، فهي لا ترى الأسباب الحقيقية وراء هجرتهم ولا يخطر ببالها ومعها الحلف الاطلسي وقف التدخل السافر في الأزمة السورية والتوقف عن دعم العصابات المسلحة التي حولت الحياة إلى جحيم في سوريا ودفعت ملايين السوريين للهجرة إلى الخارج. على العكس من ذلك فهي تؤكد لن نرحل اللاجئين وسيصبحون مواطنين ألمان.

وكان اتحاد الصناعات الألمانية قد طالب بشكل واضح بتغييرات في قوانين وأنظمة العمل الألمانية، بما في ذلك التسريع في منح القادمين الجدد الحق في العمل مطالبا الحكومة بتقديم ضمانات بعدم إبعاد المهاجرين الذين يحصلون على وظائف.

وقد عبَّر عددٌ من الخبراء الألمان في استطلاع للرأي لوكالة "بلومبرج" أنَّ اندماج نحو مليون لاجئ في المجتمع الألماني سيكون شرطا أساسيا لإنعاش الاقتصاد الألماني. وتوقع أندرياس ريس الخبير في مصرف "يوني كريديت" أن يساعد الإنفاق الحكومي على اللاجئين على نمو الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا بغضون عام ونصف إلى 0.3%، وبنسبة 1.7% بحلول عام 2020، في حال نجاح إدماج المهاجرين في سوق العمل.

أمَّا باقي الدول الاوروبية، فهي إما قبلت أعدادا محدودة من اللاجئين على مضض، وإما ترفض استقبال اللاجئين بشكل صريح. فقد أعلنت كل من اليونان والبرتغال وإسبانيا والمجر وبلغاريا ورومانيا وكرواتيا، عن رفضها استقبال لاجئين بسبب ارتفاع معدلات البطالة في بلادها، فهي لا تعتبر جاذبة للعمالة الأجنبية، بل على العكس من ذلك فهي تحفز العمالة المحلية على الهجرة للخارج.

تعليق عبر الفيس بوك