وأد البنات (2)

أمل عامر السعيدي

من السهل أن نكتشف الاختلاف في المعاملة بين الذكر والأنثى في المجتمع على الرغم من محاولات يُقدمها هذا المجتمع في سبيل الظهور بمظهر يحترم المرأة وكرامتها ويساويها بالرجل. تعالوا نلقي نظرة على قانون السكن في جامعة السلطان قابوس وعلى تصاريح الدخول والخروج. يدعي هذا المجتمع بسلطاته المختلفة أنه يثق بالمرأة ولا يُفرق بينها وبين الرجل، بينما القانون الذي تضعه الجامعة والذي يمنع الفتيات من الخروج من السكن ليس هذا فحسب بل الحصول على تواقيع من والي الولاية وشيخ القبيلة ليقدم ولي الأمر تصريحاً بأسماء المصرحين حتى تتمكن الفتاة من الدخول والخروج وغيرها من الأمور. وعلى المصرح نفسه أن يستلم الفتاة ويسلمها أسبوعياً من الجامعة وإلى الجامعة. نعم لا تستغربوا أن هذه اللغة تحتمل تشيئ هذه الفتاة فهي في هذه الحالة شيء يمتلكه المصرح والسلطة. ناهيك عن كم الإهانات التي تتلقاها الفتيات في غرف التصاريح من قبل المشرفات وقد شهدت هذا بنفسي مرات عديدة عندما كنت أذهب لنقل أختي وصديقتي في الجامعة. ويدعي القائمون على هذا القانون أن أولياء الأمور يطلبون هذا ونشعر لوهلة أن أولياء الأمور هم من يقررون ويضعون القوانين. لكن تعالوا لنكتشف الأمر أكثر، هنالك قانون يمنع الفتيات في الجامعة مثل باقي المؤسسات في السلطنة من ارتداء النقاب، وهذا مطبق في الجامعة على الرغم من أنّ هناك مناطق في السلطنة يعتبر فيها النقاب فرضاً لا خيارًا، لكنها تضطر لنزعه حال دخولها للجامعة مع إذعان الأهل لهذا القانون نزولاً عند محددات هذا القانون. فلماذا لا تضع الجامعة قانوناً شبيها مرتبطا بالسكن بدلاً من جعل الأهل شماعة للاستمرار في إهانة الفتيات واستلاب قدرتهن على الاختيار؟

قبل شهور كنت أدرس في الجامعة دورة في اللغات، وحصلت معي الكثير من المواقف التي جعلتني أبكي في أحيان كثيرة لإحساسي بالمهانة. في إحدى المرات كانت تقف مجموعة من الفتيات عند الساعة 7 مساءً، في موقف للحافلات، بدون صغيرات في السن، أحسبهن مستجدات، جاء موظف الأمن وقال لهن شيئاً، لا أعرفه بالطبع، بعدها بدقائق جاءت موظفة أمن بالجامعة أيضاً، وقامت بإحداث ضجة كبيرة في المكان، سمعت من خلال صراخها أن الفتيات يضحكن بجانب الشارع، وطلبت منهن البطاقات الجامعية، أعطت جميع الفتيات بطاقاتهن لموظفة الأمن، لكن واحدة منهن رفضت ذلك، أصرت على أنّها لم تخطئ ولن تسمح بهذا أبداً، شعرت بالأسى ذلك اليوم. كانت تقول ألا تعرفن أن صوت المرأة عورة؟ تخيلوا معي أنني فتاة تدرس في صرح تعليمي هام، أدرس مختلف التخصصات العلمية جنباً إلى جنب الرجل لكن صوتي عورة! وبالحديث عن موظفي الأمن، أعرف قصصاً كثيرة عن تعرضهم للفتيات وابتزازهن، كما أنّ الكثير من موظفي المؤسسات التعليمية يتعرضون للفتيات إما بشكل مباشر أو عن طريق الحصول على بيانات وأرقام هواتفهن عبر ملفاتهن، وإزعاجهن لاحقاً.

‏ وتحظر الجامعة الاجتماع بين الطلبة والطالبات في كل مرافق الجامعة، حتى في الجماعات الطلابية تشترط الجامعة ‏حضور المشرف. وأهم الجامعات في العالم والتي تخرج طلبة متفوقين والتي تبتعث حكوماتنا لها مئات الطلبة سنوياً وتدفع ‏لذلك ملايين الريالات، لا يمكن أن تسمح بهذا في جامعاتها ولقد تجاوز الطلبة وإدارة الجامعة هذه المواضيع ليناقشوا قضايا أهم ‏وأجدى. ‏

تعالوا من زواية ثانية نناقش انعكاس نظرة هذا المجتمع لمشاركة المرأة واحترامها، عند دخولك للصفوف الجامعية ترى أن الصف الدراسي ينقسم تلقائياً إلى قسمين فالفتية يجلسون في المقدمة، والفتيات في الخلف، ويصدر المسؤولون معنا أننا نحظى بتعليم مختلط، حتى في المقاهي المشتركة، تجد الفتية في جهة والفتيات في جهة أخرى، وقد كنت أبحث في مرات كثيرة عن إشارات أو إعلانات عن هذا التقسيم لكنني لا ألاحظها. إن هذا لمشكلة كبيرة وقد يسأل البعض أين المشكلة؟ حسنا إن المشكلة تكمن في أن مسألة "النوع" (ذكر/أنثى) حاضرة لدى الطلبة باستمرار. في كل وقت. هو لا يتصرف كطالب فقط داخل الصف وإنما يتصرف وفقاً لجنسه، إن حضور هاجس النوع بهذه الطريقة ينطوي عليه الكثير، فهو أولاً يوضح أنك ذهنياً لا تركز في الموضوع الذي يفترض عليك الاشتغال فيه في هذا المكان. كما أنه يجعلك تلتزم بإطارات جاهزة وقديمة لأنك إما رجل أو لأنكِ امرأة، كأن نقول بأن الطالب (الذكر) متفوق في الرياضيات أكثر. هذه الإطارات عادة ما تشمل طرق التفكير وغيرها. لذلك فأنا اتوقع منك مبادرات معينة وأتوقع من الفتاة مبادرات بعينها أيضاً. كما أن هذا الفصل لا يؤهل الطرفين الطالب والطالبة لتحقيق شراكة حقيقية في العمل والبيت على حد سواء.

Amalalsaeedi11312@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك