مختصون: إعادة هيكلة أنظمة القطاع الخاص لتسريع وتيرة تدريب وتأهيل الموارد البشرية الوطنية

البادي: عدم تأهيل الكوادر للوظائف العليا "عيب جوهري" بسوق العمل

الحارثي: نجاح العماني بقطاعات حيوية يؤكد قدرة الكوادر الوطنية على القيادة

الجفيلي: اشتراطات متنوعة بشخصية القائد.. وجهود للنهوض بالشباب لتولي القيادة

الرؤية- أحمد الجهوري

اتفق خبراء ومختصون على ضرورة إعادة هيكلة أنظمة القطاع الخاص بما يضمن تسريع وتيرة تدريب وتأهيل الموارد البشرية الوطنية، مؤكدين أنّ الشباب العماني قادر على تولي زمام الأمور، لكن ينقصه الحافز المعنوي والتشجيع، فضلا عن اكتساب مهارات القيادة.

واستشهد المختصون بما تحققه الكوادر الوطنية من نجاحات في مختلف القطاعات الحيوية، إلا أنّهم أجمعوا على أن القطاع الخاص لا يزال يواجه تحديات كبيرة ومعوقات مختلفة، فيما يتعلق بمنح الشباب الثقة لتولي القيادة، وبخاصة في الوظائف الوسطى والعليا.

وقال سعادة علي البادي عضو مجلس الشورى: "للأسف الشديد إنّ من العيوب الجوهرية في سوق العمل هو عدم تأهيل قيادات عمانية في الوظائف الوسطى والعليا سواء كان في القطاع العام أو الخاص ويتم الاختيار عشوائيا أو بناء على المصالح بجهات قرب أسرية أو ما شابه ذلك، لذلك نجد أنّ كفاءة الإدارة والتشغيل لدينا متدنية؛ ولهذا تجد الأسعار الباهظة في أسعار المناقصات لعدم وجود كفاءات تدير هذه الشركات وفق أسس الإدارة الصحيحة. وأضاف البادي أنّه من غير المعقول أنّ يكون العنصر البشري- وهو الأهم في عملية الإنتاج- يفتقد للتدريب والتأهيل، كما أنّ منظومة قيم الإنتاج شبه معدومة في التعليم العام أو التعليم العالي، علاوة على نقص التعليم والتدريب للشباب العماني، وللأسف معظم المعاهد الموجودة لدينا ليس لديها الأسس الاحترافية في التعليم والتدريب ولا تمتلك المعايير الصحيحة لذلك.

وأوضح أنّ هناك العديد من الدول التي نجحت وتقدّمت بالمعرفة والتجارة والاقتصاد عندما قامت بالتركيز على العنصر البشري وزرعت منظومة العمل في المناهج والتربية، ومثال على ذلك اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، والتي تعد من أعلى الدول التي تمتلك احتياطي نقد على مستوى العالم مع العلم بأنّها لا تمتلك موارد نفطية ولا معدنية، وتعتبر السلطنة جنة الجيولوجيين من حيث تنوّع المعادن بكافة أشكالها، لكن لعدم كفاءة العنصر البشري لم يستغل هذا القطاع بشكل جيّد، بسبب السياسات والقوانين المنظمة لها القطاع. وأشار إلى أنّ قطاع التعدين ساهم في عام 2010 في الدخل القومي بقيمة 2.5 مليون ريال فقط، وهذا رقم بسيط مقارنة مع حجم المعادن التي تشمل الكروم والنحاس والرخام والحجر الجيري، والذي يدخل في أكثر من 3 آلاف نوع من أنواع الصناعة، وللأسف على الرغم من كثرة المعادن الموجودة بالسلطنة وبالتحديد في منطقة الظاهرة، لكنّها لم تستثمر لعدم كفاءة العنصر البشري والشركات المحفزة لهذا القطاع، وإذا أردنا أن نركز على المعاهد ودوراتها التدريبية فإننا نجد أنّها لا ترتقي إلى حجم المخرجات التي تنتجها ولا تحقق ما نسعى إلى الوصول إليه.

صقل المهارات

ومضى البادي قائلا إنّه بالتركيز على العنصر البشري، فإننا نتفق بأنه من أفضل العناصر البشرية المهنية، ولكن يحتاج إلى المزيد من التدريب والتأهيل، ولا يمكن الارتقاء بالقطاع الخاص في أي دولة بالعالم إلا اذا أحسنّا صقل المهارات وتأهيلها لتكون قادرة على إنجاز جميع المهام وبصورة إبداعية، ومن جانب آخر إعادة هيكلة الشركات الموجودة بالسلطنة والتي معظمها شركات عائلية أو مؤسسات فردية تدار من قبل فرد واحد ترك مسؤولياتها وإدراتها إلى الوافد، ومثال على ذلك وجود شركة معنية بالطرق بالسلطنة وتعتبر من أكبر الشركات العاملة في إنشاء ورصف الطرق، لكنها تعاني من عشوائية الأداء والإهمال في المعدات والتسيب وإهدار المال العام، لعدم كفاءة العنصر البشري المحلي والأجنبي كذلك.

وشدد البادي على حاجة السلطنة الماسة إلى هيلكة نظام القطاع الخاص ومؤسسات القطاع الخاص وتحفيزها للدمج وتعيين العمانيين بها بعد تأهليهم وتدريبهم، وبالتحديد في المرحلة الأولى لعملية الدمج والهيكلة، وتحفيز الشباب على الانخراط في قطاعات الإنتاج. وأضاف أنّ السلطنة لا تزال في بداية الطريق بقطاع السياحة وما يرتبط به بمجال الفندقة. وأشار إلى أن ارتفاع أسعار الشقق الفندقيّة بالسلطنة يأتي بسبب غياب التنظيم في هذا القطاع حتى بات طاردًا للسياحة وليس جاذبًا لها.

وزاد: أكرر أنّ الشاب العماني أثبت جودته في أداء مهام عمله وتقبله لأي مهنة، كما أنّه قد يكون من أفضل العناصر بالمنطقة، وهذا ما تبين من خلال الاختبارات والمقابلات الشخصية التي تجرى بمختلف مواقع العمل، لكن كل ما يحتاجه هو التحفيز المعنوي والأخذ بيده وهذا جانب مهم. وتابع أن المقارنة بين المخرجات الوطنية من داخل السلطنة والمخرجات الوطنية من الخارج، تكشف الفجوة الكبيرة بينهما، إذ أن الأخيرة أفضل بكثير من حيث التحصيل العلمي والعملي بحكم جودة التعليم والتدريب والتأهيل الذي يحصل عليه المبتعث، وهو ما يؤكد أن التعليم في السلطنة يحتاج إلى إعادة نظر.

كفاءات وطنية

وقال سليمان الحارثي مدير عام مجموعة الأعمال المصرفية الإسلامية ببنك مسقط إنّ الموظف العماني أثبت كفاءته العالية وجودته في مهامه الوظيفية على جميع مستوياتها، وهناك أمثلة عديدة لمديرين ورؤساء تنفيذيين عمانيين أثبتوا جدارتهم في وظائفهم العليا، وهناك قطاعات كاملة تدار بقيادة عمانية متكاملة استطاعت أن تثبت بأن العماني بإمكانه أن يقوم بمهام مختلفة وبنجاح يشاد به. وتابع أنّ قطاع البنوك بالسلطنة يدار كذلك بقيادات عمانية استطاعت أن تقود العمل المصرفي بالسلطنة على أكمل وجه، كما هو الحال في قطاع النفط والغاز، حيث إنّ العمانيين استطاعوا أن يديروا أهم القطاعات بالسلطنة والذي يمثل دخله النسبة الأعلى من إيرادات الدولة. واستشهد الحارثي بمواطن عماني وهو كفاءة قيادية ابتُعث من شركة تنمية نفط عمان إلى سلطنة بروناي لمدة 5 سنوات، ونجح في إدارة أكبر موقع لاستخراج النفط والغاز في المواقع العائمة وسط البحر وتحت قيادته 3000 موظف. ومضى قائلا: لا أحد ينكر كفاءة العمانيين في القطاع الطبي ووظائفه، وكيف استطاعوا أن يثبتوا خبرتهم بالتعامل مع الحالات الطبيّة وهذا ما نلاحظه مؤخرًا بالإعلان عن عمليات جراحيّة معقدة بالسلطنة، استطاع الطاقم الطبي وبقيادة أطباء عمانيين إنجازها، وغيرها من القطاعات المختلفة.

وأضاف الحارثي أنّه للأسف وحتى الآن لم يمنح الكثير من كبار المستثمرين بالسلطنة الموظف العماني الثقة التي يحتاج إليها ليتقلد المناصب القيادية بالمؤسسات الخاصة، بالرغم أنّ أغلب تلك الشركات حصلت على تسهيلات من الحكومة من حيث العقود والدعم واعتماد أعمالهم، ومع ذلك يعيّن بالوظائف العليا الموظف الأجنبي. وأوضح أنّ كبار المستثمرين يشكون قلّة التدريب والتأهيل المقدم للشباب العماني، على الرغم من أنّه أثبت نفسه في قطاعات مختلفة، وشركات قطاع خاص كبرى أيضًا.

وشدد الحارثي على أهمية منح الموظف العماني الحافز المعنوي دائمًا قبل المادي، ما يترك له المجال للإبداع، داعيًا أصحاب الشركات إلى دعم الشباب ومنحهم الثقة لقيادة المؤسسات الوطنية.

الموظف القائد

وقال عبد الله بن حمود الجفيلي مدير عام صندوق تنمية مشروعات الشباب "شراكة": "لا توجد دراسة حديثة تبيّن عدد توظيف العمانيين في القيادات العليا بالقطاع الخاص، ولكن في الغالب تبحث مؤسسات القطاع الخاص على سمات وخصائص معينة عند تعيينها للرؤساء التنفيذيين أو الموظفين في الإدارة العليا، كما أنّها من أهم ما يحتاج إليه الموظف العماني ليكون قائدًا في أي مؤسسة، وهي القدرة على التخطيط بحيث يكون لدى الشخص الخبرة لوضع خطط وإستراتيجيات للشركة بعيد المدى، كما تركز المؤسسات على التنظيم واتباع أفضل المعايير في الممارسات بحيث يمتلك القدرة على تنظيم موارد الشركة والأعمال مع تحديد الأولويات، وسمة اتخاذ القرار وهي القدرة على اتخاذ القرارات وتحمل نتائج القرار فيما بعد سواء كانت نتائج إيجابية أو غير متوقعة.

وتابع أنّه يتم التركيز على الذكاء الاجتماعي عند اختيار المديرين؛ حيث تشير أغلبيّة الدراسات الحديثة إلى أهميّة توفر قدرات الذكاء الاجتماعي لدى الإدارة العليا، بل إنّ بعض المؤسسات تشترط على المتقدمين للوظيفة الإجابة عن أسئلة لتحليل شخصيّاتهم مع التركيز على هذا الجانب. وزاد أنّ التفويض يعد كذلك من السمات المهمّة التي يراعى فيها الشخصية الوظيفية القيادية، بمعنى أنّه ليس الرئيس التنفيذي المتمكن من لا يستطيع التخلي عن كرسيه، وإنما الأجدر من يستطيع أن يطوّر ويُنمي من يأخذ منصبه بعد فترة.

وأوضح أنّ من أهم العوامل كذلك التمتع بالرؤية الثاقبة؛ بحيث تكون لديه نظرة مستقبلية بعيدة المدى، ويضع الخطط المبدعة الجديدة ويغرس الإيجابية في الآخرين، وأن يكون قادرا على بث روح الحماس والتحفيز لدى الآخرين، والالتزام الخلقي وهي سمة تعد من أهم وأقوى سمات الرئيس التنفيذي الناجح.

ومضى قائلا: تؤكد الدراسات الحديثة أنّ تقييد الرئيس التنفيذي بالمبادئ العامة يكون أكثر تأثيرًا على موظفيه، والشخصية الملتزمة خلقياً تشعر الشخص الآخر بالأمان، والخبرة والمستوى العلمي ويقصد بها محصلة سنوات العمل والمشروعات التي نفذها الشخص وخاصة تلك المتعلقة بمجال وأنشطة الشركة، وكذلك المستوى التعليمي والشهادات التي تؤكد معرفة الشخص الإدارية والعلمية.

وحول أهمية إعداد البرامج وتأهيل وتدريب الموظفين لتولي القيادة في المستقبل، قال الجفيلي: تعي السلطنة أهمية تأهيل القدرات الشابة لمناصب قيادية في القطاع الخاص، وتم إطلاق البرنامج الوطني للرؤساء التنفيذيين كمبادرة من قبل فريق العمل للشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، وتمثل هذه المبادرة نموذجاً جلياً للأهمية والقيمة التي توليها السلطنة لدور القطاع الخاص في الأداء المستقبلي للاقتصاد العماني إلى جانب مساهمته في تحقيق نتائج واضحة.

وحول مدى نجاح الشاب العماني في الوصول إلى الوظائف العليا وكيف أثبت كفاءته، أكد الجفيلي أنّ هناك أمثلة ونماذج كثيرة لعمانيين تقلدوا مناصب عدة في مؤسسات القطاع الخاص سواء في السلطنة أو خارجها.

تعليق عبر الفيس بوك