خُذ صوتي إلى العالم

عُهود الأشخريَّة

"هذا مأتم، من قال إنه عُرس!".. من مقولة سركون بولص عن الحياة، ووصفه لها بالمأتم أبدا؛ إذ إننا دائما نفكِّر بالخلاص، ليس من الحياة فحسب، بل من أشياء موجودة فيها أساسا. الخلاص لأجل أن نمنح أرواحنا مزيدًا من البريق للحلم والأمل والقادم من أشياء ملونة. في كلِّ الأشياء التي تحدث، هُناك قصص تمثلنا حتى وإن اختلفت درجة ذلك فينا -أعني إلى أيِّ درجة يُمكن أن تشبهنا هذه القصص أو تنعكس في مجتمعاتنا- ربما ليس بالشكل الخارجي؛ إنها تتعدى ذلك لتخترق دواخلنا. فكرت في ذلك كثيرا حين عرفت قصة (رجم ثريا)، ثريا التي قتلت باسم الدين والفساد وأشياء أخرى قد يكون أساسها فساد رجال الدين والرغبات التي ينكرها الآخر في طريقه نحو إرضاء نفسه أولا، وأخيرا كدليل على أنَّ هنالك من يستخدم الدين الإسلامي لتحقيق رغباته بصورة بشعة جدا.

أما عن ثريا لمن فاته أن يعرف قصتها، فهي "ثريا منوتشهري" من إحدى قرى إيران "كوباي" التي رفضت الطلاق من زوجها العابث، لا لشيء؛ فقط لكي تجد مصروفا كافيا لأبنائها الأربعة، وأما زوجها الخبيث الذي كان يريد أن يرتاح من عبء النفقة كي يستطيع الزواج من أخرى فقد حرّض أطفالها ضدها كبداية لخطته الماكرة، ثم استخدم ورقة الدين (فتوى دينية)، وكما يقال هي الورقة الأكثر نفعا في المجتمعات العاطفية، ليتم اتهام ثريا بالزنا، ثريا الرزينة في مجتمع يهين الأخلاق من أجل المصالح الشخصية، هذه اللعبة التي قام بها الشيخ والملا باعتبار أنهم يمثلون السلطة الدينية في الطائفة الشيعية في ذلك المجتمع تحديدا.

هذه القصة حدثتْ عام 1980 تقريبا بداية سطوة الثورة الإسلامية بعد سقوط نظام الشاه وتصاعد سلطات الملالي ورجال الدين وسيادة حكم العادات والتقاليد مقابل غياب القضاء النزيه والعدل، والذي كتبها هو الصحفي والكاتب الفرنسي من أصول إيرانية (فريدوني ساهيبجام) الذي كان مارا بالصدفة من القرية بعد يوم واحد من الحادثة فصادفته الخالة زهرة وأخبرته بالقصة كاملة دون نقصان، -قصة الرجم-. هنا تظهر زهرة -خالة ثريا- وهي الشخصية الأهم في قصة ثريا، هي التي أطلقت عبارة يجب أن تستخدمها كل امرأة كشعار لها هنا حين قالت للصحفي: (أريد أن تأخذ صوتي معك). زهرة كانت تريد أن تصل قصة ثريا إلى العالم، وهذا ما حدث حقا حينَ هرب (فريدوني ساهيبجام) ومعه صوت الخالة زهرة وهو في الحقيقة صوت ثريا الميتة في ذلك الوقت، وكانت كذلك الخالة زهرة تنادي بشعار مهم جدا وهو (لا تكذب وأنت تحمل القرآن بيدك)، كسلاح ضد المنافقين، الذين يحملون المصاحف ويظهرون تمسكهم بالدين لكن في المقابل قلوبهم ودواخلهم فاسدة.

قتلت ثريا بالحجارة حين أوهموا كل أهل القرية بأنها امرأة ساقطة ستلوث سمعة القرية! وكانت البداية بأطفالها الذكور الذين قتلوا والدتهم النقية بالحجارة. لقد ماتت ثريا مرتين في الحقيقة؛ مرة قبل موتها الحقيقي وهي حين كانت أول الحجارة تصلها من أقرب الناس لها وهم عائلتها الصغيرة (والدها، زوجها، وأطفالها الذكور)، رجموها بعنف شديد وبقسوة لم تكن تستحقها، ومن ثم الأشخاص الذين كانوا يتظللون خلف عباءة الدين.

لا أريد أن أخوض في القصة من ناحية دينية رغم أن القرآن يخلو تماما من حد الرجم بصورة مباشرة لكن في المقابل نجد أن الكثير من الناس يستخدمون التأويل الشخصي للدين لتعزيز أفكارهم الفاسدة. ماتت ثريا وهي لا تزال شابة في الخامسة والثلاثين من عمرها، وماذا يمكن أن يحدث في مجتمع تحكمه العادات والتقاليد؟! ماتت وهي تنادي أنها ليست خائفة من الموت، لكن تلك الطريقة في الموت مزعجة جدا. بعد أن أخذ الصحفي القصة إلى العالم تحولت إلى فيلم سينمائي وكتب عن هذا الحدث الكثير من الكتاب سواء أخذوها كنقد للمجتمعات أو أرادوا أن يوصلوا رسالة من خلالها.

ماذا عنا نحن؟ وعن النساء اللواتي يختبئن خلف ستائر الخوف من الوقوف أمام المجتمع ويخبئن رغباتهن الكثيرة سواء أكانت نحو عمل معين أو رغبة في الخروج عن هذا العرف الظالم الذي لا ينتهي تسلطه أبدًا، نريد حقا أن يستيقظ صوت ثريا وقوتها، نريد أن تتكاثر هذه الشجاعة فينا ولا تنتهي، ومثل الخالة زهرة نريد أن تصل أصواتنا إلى العالم بكل ثورة هذا الصوت الأنثوي وقدرته، فلولا الخالة زهرة لما وصل صوت زهرة لنا. من هذه اللحظة فكري يا صديقتي.. هل ستكونين ثريا أو الخالة زهرة، أو حتى أخرى تتمرد على العادات والتقاليد الظالمة؟

Ohood-Alashkhari@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك