عن لائحة تنظيم استيراد المركبات

د. مُحَّمد العريمي

تابعتُ كغيري من المواطنين بنودَ اللائحة التنظيمية لاستيراد المركبات والدرَّاجات الآلية المستعملة التي أصدرتها وزارة التجارة والصناعة مؤخّراً. وإحقاقاً للحق، فاللائحة بها العديد من البنود الايجابيّة خاصّة فيما يتعلّق بالسّماح للمواطنين وللمنشآت التجارية والتي تمارس نشاط بيع المركبات المستعملة كمعارض السيارات أو المؤسسات والشركات التي تقوم بإعادة التصدير أو البيع في السوق المحلي، وكذلك المنشآت التجارية والصناعية والخدمية باستيراد المركبات الخاصّة، والحافلات، والشاحنات، والمعدّات، والدراجات الآلية المستعملة دون تحديد لعددها خلال سنة دون الدخول في تفاصيل كلّ مادّة.

وسأركّز حديثي حول المادة السابعة التي حظرت استيراد المركبات ‏الخاصة التي يتجاوز عمرها 7 سنوات من تاريخ صنعها، وكذلك ‏الشاحنات والحافلات التي يتجاوز عمرها 10 سنوات، و‏المعدات التي يتجاوز عمرها 15 سنة من تاريخ صنعها.

ولأنَّي أحرصُ على معرفة مبررات الجهات الحكومية المختلفة حول أسباب إصدارهم لتشريعات معينة، أو تطبيقهم لسياسات تتعلق بآلية تنظيمهم لأعمال جهاتهم قبل نقد هذه السياسات أو التشريعات أو مناقشتها وتحليلها؛ فقد وجدت أن مبررات الوزارة المعنية بإصدار هذه اللائحة تكمُن في "أن دول مجلس التعاون ‏الخليجي قد حظرت دخول المركبات التي يبلغ عمرها خمس ‏سنوات لأراضيها؛ وبالتالي حظرت استعمالها وحظرت أيضا ‏دخول الشاحنات والمعدات وفقا لأوزان وأعمار معينة، كما اتضح من خلال الإحصائيات أن الكثير من السيارات التي ‏تتجاوز هذه الفترة تصبح غير آمنة عند استعمالها، كما أنَّ كثيراً من تلك السيارات قد دخلت الى السلطنة وهي معيبة، وأدت ‏الى إزهاق الكثير من الأرواح، كما أدت أيضا إلى الكثير من ‏الحوادث والإصابات البشرية جراء عدم صلاحيتها للاستخدام ‏أصلا، كما أن أضرارها على البيئة باتت واضحة للعيان نظرا لما ‏تخلفه من تأثير جراء سيرها في الشوارع أو ما ينعكس سلباً على ‏صحة الإنسان جراء تخزينها أو رميها في الأماكن العامة وتلويث ‏مخلفاتها كالزيوت مثلا؛ بحيث أصبح التخلص منها عبئاً على ‏كاهل الدولة أو حتى المنشآت الخاصة نظراً لأن التخلص منها ‏ومن تأثيرها يساوي ضعف قيمتها".‏

ومع كامل تقديري لهذه المبررات وتفهمي لحرص الجهة المعنية على الصالح العام من وجهة نظرهم، إلا أنَّ ذلك لا يمنع من طرحي لبعض التساؤلات المتعلقة بهذه المادة رغبة في فهم أكثر لمبررات اصدارها، وتساؤلي الأول يتعلق بقضية عدم أمان هذه المركبات عند تجاوزها للفترة الزمنية المحددة في القرار، فأنا أراه مبرراً غير كاف، فما هي الإحصائيات التي رجعت إليها الوزارة عند اتخاذها لهذا المبرر، وهل هذا بالفعل سبب حقيقي للحوادث التي تحصل في شوارعنا؟! فأنا شخصياً كانت لدي مركبة قمت ببيعها بعد ست سنوات من شرائها ومازلت نادماً على ذلك؛ حيث أن تلك المركبة لم تدخل كراجاً للإصلاح من أي عطب خلال تلك الفترة عدا تغيير بعض الأشياء البسيطة، ولم أشتك خلال تلك السنوات الست من أي مشكلة فنية كبيرة بها علماً بأنها من ماركة متوسطة القيمة والجودة، وعلماً بأنني أقطع بها مسافات طويلة تتجاوز المائة كيلو يومياً بحكم ظروف عملي عدا المسافات الطويلة في نهاية كل أسبوع عندما أذهب إلى البلد، كما أنني لم أخف انبهاري بنظافة وقوة أداء مركبة أحد زملاء عملي، ولم أصدق كلامه وهو يقسم لي أنها موديل 2006 بعد أن اعتقدت أن طرازها لم يتجاوز السنتين أو الثلاث بالكثير، وأعرف زميلاً آخر لم تتجاوز الكيلو مترات التي قطعتها مركبته التي يعود تاريخ صنعها إلى 2010 حاجز الخمسة والأربعين ألف كيلو وما زالت مقاعدها الخلفية (بقراطيسها)؛ لأن لديه مركبة أخرى يستخدمها بالتناوب مع المركبة السابقة، ثم إنه إذا سلمنا بأن المركبات لا تكون آمنة بعد سبع سنوات من تاريخ صنعها وقد تؤدي إلى وقوع حوادث فلماذا لا يتم فحصها عند التجديد السنوي سوى بعد مرور عشر سنوات لا سبع؟!

إذاً، ومن وجهة نظر متواضعة وغير متخصصة في مجال الميكانيكا لا أعتقد أن قدم المركبة بالضرورة له علاقة بعدم أمانها؛ فهي أمور لها علاقة بنوعية المركبة ونوعية الاستخدام، ومدى التزام السائق بقواعد السياقة الآمنة، ومدى اهتمامه بمركبته، ويمكن أن تكون المركبة من طراز حديث وغير آمنة لأسباب مختلفة.

... تساؤلي الآخر حول المبرر القائل "بدخول بعض تلك السيارات وهي معابة؛ مما يودي إلى إزهاق الكثير من الأرواح، كما تؤدي أيضا إلى الكثير من ‏الحوادث والإصابات البشرية جراء عدم صلاحيتها للاستخدام ‏أصلاً"، وتساؤلي هنا: هل كل المركبات المعابة هي من طرازات تجاوزت السبع سنوات؟! وهل كل السيارات التي تتجاوز تلك المدة تكون معابة؟! أوليست هناك مركبات أكثر حداثة وتعاني من عيوب فنية مختلفة؟!

وبدلاً من منع دخول كل تلك المركبات التي تجاوزت هذه الفترة المحددة في القرار أليس من الأولى والأجدى إنشاء مراكز لفحص السيارات والتأكد من مدى صلاحيتها في مراكزنا الحدودية والنقاط الجمركية قبل إصدار أحكام عامة بدلاً من منعها جميعاً؟! وماذا لو دخلت مركبات أقل عمراً وتعاني من عيوب ما قد تكون كارثية على أصحابها فهل يتم السماح بدخولها لمجرد أنها لم تتجاوز الفترة المحددة في القرار؟!

تساؤلي الثالث حول مبرر الأضرار البيئية التي تخلفها تلك المركبات؛ فهل حماية البيئة من مسئولية الجهة التي أصدرت هذه اللائحة أم أنها مسئولية جهات أخرى معنية بقضايا البيئة والتلوث في السلطنة؟! وهل هناك دراسات علمية قامت بها تلك الجهات وأثبتت من خلالها تأثير تلك المركبات التي تجاوزت الفترة المحددة في اللائحة على البيئة؟! ومرة أخرى ماذا عن المركبات التي تعدت الفترة المحددة ومازال أصحابها يحافظون عليها؟! وماذا عن مركبات أخرى أكثر حداثة وتعاني من الإهمال؟!

وإذا ما أخذنا في الحسبان المبررات السابقة جميعاً؛ فماذا عن المركبات الموجودة في السلطنة وقت إصدار اللائحة والتي تجاوزت حاجز السبع سنوات فهل ستسري عليها اللائحة أم ستترك كما هي؟! وماذا عن حركة بيع وشراء تلك المركبات في داخل السلطنة؟! أولا ينبغي أن تؤدي تلك المركبات إلى الحوادث بحجة عدم أمانها كذلك، وإلى الإضرار بالبيئة أيضاً أم أن الأمر يتعلق فقط بالمركبات المستوردة فقط؟!

وماذا عن التبعات الاجتماعية والاقتصادية لهذه المادة من حيث القوة الشرائية للمجتمع، والوضع الاقتصادي الذي يجعل البعض يلجأون لشراء مركبات تناسب دخلهم أو مشاريعهم الصغيرة، خاصة للموظفين الجدد أو من ذوي المرتبات المنخفضة، في ظل ارتفاع أسعار المركبات الجديدة، وفي ظل وجود التزامات وتبعات اقتصادية واجتماعية متعددة تمنعهم من اقتناء مركبات جديدة أو دفع أقساط قد تثقل كاهلهم مقابل الحصول عليها؟! وهل لدينا سوق مركبات يعرض خيارات متنوعة تجعلنا لا نلجأ للبديل المتمثل في الاستيراد؟!

وماذا لو قرَّر الكثير -خاصة من سكان المحافظات الحدودية- اللجوء لشراء مركباتهم من دول مجاورة وتسجيلها وتأمينها واستخراج أوراقها الثبوتية في تلك الدول، فهل يمكن منع تلك المركبات من دخول السلطنة؟! وهل يمكن وقتها تلافي الآثار المشار إليها في المبررات خاصة مع استقرار كثير من هؤلاء داخل البلد؟! وماذا عن المبالغ التي سيدفعونها مقابل تسجيل وتأمين وتجديد مركباتهم، وكانوا يدفعونها في السابق داخل السلطنة؟!

أخيراً.. وإذا ما اعترفنا بحق هذه الجهة الحكومية أو غيرها في إصدار لوائح وتشريعات لتنظيم العمل في بعض القطاعات التي تشرف عليها، أولم يكن من المهم إشراك بعض الجهات ذات الصلة كمجلس الشورى مثلاً للاسئناس برأيهم كونهم يمثلون المجتمع الذي ستسري عليه تلك المواد؟! أو لم يكن من المناسب كذلك قياس رأي المجتمع حول هذه القرارات كونهم المستفيد أو المتضرر الأول منها؟! أم أننا نصدر تشريعاتنا دون الاهتمام بكل ذلك؟!

تعليق عبر الفيس بوك