صفقة إيران والفرصة السانحة

عبدالنبي العكري

هل تفتح صفقة إيران النووية التاريخية، الطريق لتسوية شاملة لوضع حدٍّ للحروب والصراعات في المنطقة العربية، من المغرب إلى البحرين، والتي هي في جزء منها نتاج العلاقات غير الطبيعة ما بين إيران من ناحية والغرب ومجلس التعاون الخليجي ودول أخرى في المنطقة وفي مقدمتها "إسرائيل"؟

لاشك أن تداعيات الاتفاق النووي الإيراني التاريخي، سيتعدى قبول العالم، وخصوصاً وكالة الطاقة الذرية والغرب وأميركا بالتحديد، ورفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، والقبول بإيران في المنظومة الدولية سياسياً واقتصادياً، الأمر سيتجاوز ذلك إلى فتح آفاق أمام احتواء الصراعات في المنطقة العربية والجوار، ثم حلحلتها وأخيراً حلها، ومن ذلك الحروب في العراق وسورية وليبيا واليمن، والنزاعات المسلحة في الباكستان ولبنان ومصر وتونس، وفي قلبها الحرب ضد المنظمات التكفيرية الإرهابية وفي مقدمتها دولة "داعش" و"النصرة"، وغيرها من المنظمات التكفيرية المتطرفة؛ وكذلك إرجاع تنظيمات مسلحة مثل حزب أنصار الله (الحوثيين) إلى الوضع الطبيعي، أي حركة سياسية، تعمل في إطار العمل السياسي المشروع.

وبالنسبة للخليج العربي، فإنها كان للأسف ساحة مواجهة بين الطرفين الإيراني والخليجي، حيث شهد ثلاثة حروب كبرى خلال ربع قرن، إضافةً إلى نزاعات أقل في جميع الدول المطلة على ضفتيه. ويمكننا أن نتصوّر أن تسوية تاريخية بين دول الضفتين بقيادة إيران والسعودية حيث تلعب سلطنة عمان دور "الميسّر"، يفتح الباب أمام تسويات للمشاكل الإقليمية الأخرى. ولنتصور الآفاق الواسعة لتعاون إيراني خليجي عربي، على غرار العلاقات القائمة بين الدول المطلة على بحر البلطيق أو حتى العلاقات القائمة بين الضفتين في بداية القرن العشرين.

لنتصور شراكةً سياسيةً واقتصاديةً بين دول مجلس التعاون التي تمتلك ثلاثة آلاف مليار في صناديقها السياسية، إضافةً إلى مليارات أخرى لدى القطاع الخاص، يمكن استثمار بعضها في السوق الإيراني المتعطش للاستثمار في بلد الثمانين مليوناً، وثروات طبيعية هائلة تنتظر الاستثمار، وفي مقدمتها قطاع النفط والغاز. ولنتصور ملايين السياح الخليجيين يتدفقون إلى إيران، ولنتصوّر مئات العبّارات ما بين الموانئ المتقابلة عبر الخليج، حيث يمكن لأيٍّ كان أن ينتقل مع سيّارته منطلقاً عبر البلد الآخر. ولنتصور الأجواء المفتوحة للطيران لمواطني الضفتين والمقيمين دون "فيزا" وحواجز.

ولنتصوّر بالمقابل، تدفق الصادرات الإيرانيّة إلى الخليج، وهي لا تقتصر - كما يتصور البعض- على الفستق والسجاد والفواكه فقط، بل المنتجات الصناعيّة المنافسة بعد تطوير سريع للصناعات الإيرانية بفعل الاستثمار والتحديث، ومن ذلك السيّارات والكمبيوترات وغيرها؛ وبالطبع الغاز حيث تحتاج دول الخليج إليه بكميات متزايدة بدلاً من المشاريع الخيالية باستيراده من روسيا.

بالطبع فإنّ تعاوناً إيرانياً وخليجياً ضمن الأوبك، وتعاون الصناعات النفطية ومنتجاته فيما بين الطرفين، يعيد القوة إلى الأوبك، ودورها العالمي في استقرار سوق النفط العالمية وعوائد عادلة، بعد أن انحدر دور هذه المنظمة، وتهاوت الأسعار. والعلاقات لا تقتصر على الجوانب السياسية والاقتصادية، بل تمتد إلى التعاون والتبادل العلمي والثقافي والحضاري، لشعبين تربطهما وشائج تاريخية ودينية.

نحن في البحرين من أول الناس الذين نتطلع إلى مباشرة سريعة لمحادثات ما بين إيران ومجلس التعاون الخليجي لحل المشاكل العالقة، لأننا من أوائل ضحايا هذا الصراع، وبالطبع فمسئولية الأطراف المحلية وبالتحديد السلطة والمعارضة هي الأساس، والذي يمكن على أساسه دعم الأطراف الإقليمية والدولية.

إيران وبعد تطبيق مترتبات هذا الاتفاق التاريخي، ستتحول إلى مارد اقتصادي صناعي يمكن أن يوظف إمكانياته في النهوض ليس بإيران فقط، ولكن المنطقة برمتها، وتعيد الصراع ضد العدو الصهيوني إلى مكانته كأولوية وحيدة. كما أن تطبيعاً إيرانياً خليجياً عربياً للعلاقات، يساعد أيضاً في المفاوضات والحوار لحل باقي الصراعات في المنطقة، على ضوء ترابط المشاكل وكون السعودية هي التي تقود جامعة الدول العربية، وكون الطرفين الإيراني والسعودي طرفين في جميع نزاعات المنطقة.

إن الوطن العربي ينزلق نحو فوضى مدمّرة، حيث تتمدد دولة "داعش" خارج العراق وسورية إلى عدد من الساحات مثل مصر وليبيا واليمن ولبنان والخليج، وهي لا تعترف بالحدود القائمة، ولا السيادة الوطنية، ولا الأنظمة الحاكمة، فهي ترى تكفر كل من لا يكون في صفوفها. وإلى جانب "داعش" هناك تيار تكفيري جارف، وخلايا تكفيرية منتشرة على امتداد الوطن العربي ودول الجوار، وهناك موجةٌ طائفية تجتاح الوطن العربي، وموجة كراهية لا سابق لها بين مكونات الأمة القومية والدينية، بسبب انحدار مكانة العرب في النظام العالمي حتى أصبح معروفاً عن العرب تصدير الكراهية والإرهاب.

وعلى الصعيد الداخلي، فإن هناك تدهوراً في الأوضاع الاقتصادية، ما ينعكس سلباً في أزمات واضحة كالبطالة والفقر والتهميش، وتراجع نوعية الخدمات مثل التعليم والصحة والنقل والمياه، وظواهر خطيرة مثل التصحر والتلوث وغيرها.

مطلوب مفاوضات ما بين إيران وجامعة الدول العربية ولكن برؤية استراتيجية واضحة من قبل الجامعة، وقيادة مسئولة بعد أن تحوّلت الجامعة إلى ما يشبه الجثة الهامدة. نعم، هناك تراكم من المشاكل والخلافات، وهناك على الأرض قوى مشتبكة بالسلاح والسياسة والاقتصاد، وهناك تعبئة خاطئة طوال عقود وخصوصاً من قبل أنظمة ومؤسسات دينية وسياسية عربية ضد إيران، وتصويرها بأنها العدو الرئيسي، وذلك لا ينفي وجود أطراف في إيران ذات نزعة شوفينية واستعلائية ضد العرب، ولكن تجربة دولٍ كانت في حروب ضروس كما هو حال الدول الأطراف في الحرب العالمية الثانية وفي حرب الهند الصينية مثلاً، نراها وقد تحوّلت إلى أصدقاء بل وحلفاء، ما يثبت أنه يتوجب على العرب والإيرانيين أن يبنوا على ميراثهم التاريخي الإيجابي، لتجديد هذه العلاقات بمنظور عصري وقاعدة راسخة، وربط للمصالح والوشائج الإنسانية وقت ساعة الحقيقة، وعلى الجميع التحلي بالمسئولية، فالاتفاق التاريخي فرصة تاريخية يجب اغتنامها.

تعليق عبر الفيس بوك