د.صبري محمد أحمد مؤكدًا مكانة الشهر الفضيل: الصوم ثلاثة أقسام أعلاها مرتبة "العرفاني"

الرؤية- مالك الهدابي

أكد فضيلة الشيخ الدكتور صبري محمد أحمدمعلم التربية الإسلامية بمدرسة الخليل بن عبدالله بمنطقةفنجاء أنّ شهر رمضانمن أجلّ الشهور وأعظمها عند المسلمين، فهو شهرالرحمة والمغفرة، شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، ففيه خير الدنيا والآخرة لمن فازبه.

وقد أعطى الله - سبحانه وتعالى - وعدًا باستجابة الدعاء فيه، قال تعالى: " وإذا سألك عبادي عني فإنِّي قريب أجيب دعوة الداع إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون " فقد وقعت هذه الآية عقب الحديث عن الصوم، والغاية من تشريعه، وكذا يسر التشريع في ترخيص الفطر لغير القادرمن سورة البقرة.وإذا كانت إجابة الدعاء للمسلم ليست مرهونة بوقت معين طالما كان الداعي تقياًفمن باب أولى أن تكون هذه الإجابة مقدمة في شهر رمضان المعظم.

وتابع:في القرآن الكريم يخاطب الله الصائمين - عندما يدخلون الجنة - قائلاً : " كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية " فهنيئًا لك أيها المسلم الصائم بهذا الشهر الكريم؛ فقد عوّضك الله - بطاعة الصوم - نعمة الجنة، وما أعظمها من نعمة!.

وقد اقتضت حكمة الله - سبحانه وتعالى - ، وعدله أن يَشْرَعَ الصوم للسابقين قبلنا قبل أن يشرعه لنا، وما ذلك إلا لبناء الذات الإنسانية، وتكامل السلوك فيها حيث قال في محكم تنزيله: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون".

وعن أقسام الصومالثلاثة قال:الصوم الشرعي وهو صوم البطن عن الأكل، والفرج عن ارتكاب المحرمات من طلوع الفجرالصادق إلى غروب الشمس، ومن التزم به فلا قضاء عليه ولا كفارة، لكنه لا يحقق الفائدة المرجوة خيرتحقيق سوى أنه يسقط عن المسلم ذنب ارتكاب الفطرمالم يكن مرخصًا له، وليست هذه بالفائدة المنشودة، والغاية المقصودة للشارع الحكيم من الصوم، ولعل الأمر من الوضوح بحيث لايحتاج إلى تعليل لهذه التسمية، فهو أوضح من الشمس في رابعة النهار.

وعن الصوم الأخلاقي قال: هو أن يضاف إلى صوم البطن والفرج صوم الجوارح من عين وأذن ويدوغيرهافلا تنظر عينك إلى قبيح أوإلى ما حرّم الله سبحانه وتعالى، ولاتسمع أذنك مالم يحله الشرع الحكيم، وكذا يدك لاتلمس شيئًا حرّمه الشرع عليك، وهكذا اللسان، الرّجْلوغيرها،وتابع:وقد ورد في بعض الروايات أنّ من يكذب في شهر رمضان أو يغتاب أحدًا، ويتهمه - دون وجه حق - قال تعالى:" لايحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم" - فإن صومه باطل.

وزاد: ولْيَعْلَمِ المسلم الصائم - يقينًا - أن له دعوة مستجابة عند فطره، ولكن: هل تستجاب هذه الدعوة إذا كان عاصيًا في نهار رمضانرغم صومه؟!!!لقد وعد الله - في كتابه العزيز - أن يستجيب للمسلم دعاءه، ولكن بشرط التقوى، قال تعالى: " إنما يتقبل الله من المتقين " ولم يقل - سبحانه -من المؤمنين؛ فقد تكون مؤمنًا، ولكنّ مأكلك من حرام، وملبسك من حرام، ومشربك من حرام فأنّى يستجاب لك؟!رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش.

وأردف:إن المسلم الحقيقي الذي أشرب قلبه حب الإيمان لايرضى بغيرالتسامي بديلاً، فإذا أراد أن يرتقي في مدارج الإيمان، وأنوار العارفين فلابد أن يقدّم الثمن - وما أعظمه من ثمن! - في القرب من ربه، وليذكر جيدًا أنه بقدر سموه تكون سماؤه.

فلينظر في أي سماء يريد أن يرتقي؟ ولعل السر في تسمية هذا الصوم بالصوم الأخلاقي هو تعلق هذا الصوم - فضلا عما سبق في الصوم الشرعي - بصوم الجوارح، والأفعال من عمل الجوارح وهي - أعني الأفعال - أساس الأخلاق وعمودها، فإذا كانت الفعال صالحة حكم على صاحبها بالأخلاق الصالحة، وإذا كانت غير ذلك حكم عليه بالأخلاق الفاسدة.وعنالصوم العرفاني قال: وهو القسم الثالث من الصوم، ويعتبرأشقأقسام الصوم إلا على العارفين، قال - تعالى - : " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين".

وهذا القسم من الصوم يضاف فيه - إلى صوم البطن والفرج والجوارح - صوم القلب،والسؤال الآن: وعَمَّ يصوم القلب؟إن القلب يصوم عن خواطر السوء، وكذا الصفات الرذيلة، ولا أعني بالصفات الرذيلة تلك التي ينكرها أصحاب الصوم الشرعي والأخلاقي - وإن كان هذا مطلوبًا -ولكن أعني بها دركة أخرى من دركات السيئات مما يتعلق بالالتفات إلى ما سوى الله سبحانه وتعالى، وهذا يعني أن هذا القسم من الصوم يتعلق بالصوم عن الالتفات إلى غيره سبحانه، وهو المنعم عليه.وهذا النوع من الصوم لايوفق له إلا العباد المخلَصون العارفون ، فمن ذاق عرف ، ومن عرف اغترف ، ولعله في هذا يكمن سر التسمية بالصوم العرفاني .

تعليق عبر الفيس بوك