إعادة إعمار الباطنة

فايزة بنت سويلم الكلبانية

Faizaalkalbani1@gmail.com

 

(1)

تتكاتف حاليًا الجهود الوطنية المُخلصة، شعبًا وحكومة وقطاع خاص وجهات عسكرية، من أجل أن تعود الحياة إلى طبيعتها في المناطق المتضررة من الحالة المدارية "شاهين"، ونخص بالذكر ولايات محافظتي شمال وجنوب الباطنة، وهما المحافظتان الأكثر كثافة من حيث عدد السكان، الأمر الذي يستدعي بالضرورة وضع خطط استراتيجية عمرانية مدروسة وفق أعلى المعايير، وذلك لمواكبة المتغيرات المناخية التي تمر على السلطنة.

ولعلَّ الأمر الأكثر أهمية كذلك أن نطلق مشروع "إعادة إعمار الباطنة"، وولاياتها المتضررة، لأنَّ الخسائر تقدر بمئات الملايين من الريالات، وعلينا أن نكثف الجهود من أجل توفير هذه المبالغ، على الرغم من التحديات الاقتصادية التي نمر بها، لكن الأمل يتعاظم في الحكومة الرشيدة أن تضع خطة قصيرة المدى تضمن تنفيذ مشروعات بنية أساسية وتقديم مساعدات للمواطنين المتضررين، خاصة أولئك الذين تهدمت منازلهم ودُمرت مزارعهم. لقد بتنا في أمس الحاجة إلى تحديث مواصفات وأكواد البناء؛ لتكون أكثر جودة وصلابة، ومقاومة للأنواء المناخية والكوارث الطبيعية، فضلا عن أهمية إعادة تخطيط الأراضي السكنية لكي تكون بعيدة عن مجاري الأودية، فالمشاهد التي تابعناها- وما زلنا- تدمع لها العين؛ حيث نرى الممتلكات الخاصة والعامة وقدر جرفها تيار الوادي بلا رحمة وبلا هوادة.

هناك عشرات الآلاف من الأفراد والآلاف من الأسر الذين باتوا يفترشون أسطح المنازل، ومنهم من افترش الأرض بجوار منزله أو في مواقع الإيواء، بعدما خسروا منازلهم التي غطتها المياه والطمي الهائل الذي ملأ كل ركن من أركان هذه المنازل. والحق أن السبب الأول فيما حدث أنَّ هذه المنازل مبنية دون تخطيط عمراني مُنظّم من قبل الدولة، فكانت النتيجة ما شاهدناه.

يجب الأخذ بعين الاعتبار أيضًا ضرورة بناء مبانٍ سكنية مُجهزة ومخصصة للإيواء للمتضررين، بدلًا من الوضع الحالي؛ حيث تُخصص المدارس لاستقبال المتضررين، وهذا لا يتناسب مع الأوضاع، فالأسر تفترش أرضية هذه المدارس بوسائل معيشة بسيطة للغاية، نعم نؤكد أن الجهات المعنية لم تقصّر في تقديم يد العون والدعم للأسر وتوفير المؤن الغذائية والمراتب والأغطية، لكن بالتأكيد الأمر ليس مستدامًا، فما الذي يمنع أن تقوم الحكومة بالشراكة مع القطاع الخاص ببناء مراكز إيواء مُجهزة بالكامل على مستوى يضمن العيش الكريم للمتضررين، الذين يعانون من ظروف نفسية قاسية للغاية.

وبالطبع نأمل أن يتم تقديم تعويضات نقدية طارئة للمتضررين، فهناك من كان قد انتهى لتوه من بناء منزله وتكلف على الأقل 150 ألف ريال، وفجأة وجد منزله في حالة خراب تام. ولذا التدخل السريع لدعم هؤلاء ماديًا ومعنويًا سيكون له الأثر الطيب في نفوسهم كي يواصلوا الحياة.

 (2)

أقف في استغراب أحيانًا وتساؤل: أين تذهب هذه الكميات الهائلة من المياه التي باتت تغطي ولاية السويق جراء هذا الإعصار إلى جانب غيرها من الولايات؟ وما مدى استفادتنا من هذا المنسوب العالي من المياة والأودية. وهنا  لا بُد من الإسراع في وضع خطط طموحة لبناء سدود حماية توفر الأمن للسكان وتحافظ على الثروة المائية القادمة من السماء.

(3)

من أبرز الدروس التي كان على الجهات المعنية العمل على حلها، آلية توزيع التبرعات والمؤن والمساهمات المادية والعينية، والتي قد تصل إلى الملايين، لكن ثمة عدم تنظيم واضح في هذه المسألة. الحل يتمثل في تدشين حساب بنكي موحد لأية تبرعات، ولذا ثمة حاجة ماسة لإنشاء صندوق خاص للكوارث، يتولى مسؤولية جمع التبرعات وتخصيص المبالغ عبر حساب بنكي موحد، على أن توضع لائحة تنظيمية لآلية صرف المبالغ وفق الحاجة.

(4)

أعاصير متعددة شهدتها السلطنة على مدى العقود المنصرمة، كان أعنفها على الإطلاق إعصار جونو في 2007، تكبدنا خلالها الكثير من الخسائر، فخلال الفترة من 2007 حتى اليوم، مر علينا ما يقارب 12 إعصارًا، بإعصار جونو 2007، وفيت في 2010، ونيلوفر في 2014، ونانوك في 2014، ثم إعصار أشوبا في 2015 وتشابالا في 2015، ومن ثم ميج في 2015، ومكونو في 2018، ومن ثم لُبان في 2018، وهيكا في 2019، وكيار في 2019، وأخيرًا شاهين  في 2021، لكن رغم التحديات المناخية ورغم الأضرار الجسيمة، تظل عُمان عظيمة بشعبها وتلاحم جهود المخلصين من أبنائها، وتكاتف سواعد الجميع؛ لتنهض بعد كل تحديات تخلفها الأنواء المناخية بأفضل مما كانت وتتجلى في حلة أجمل.

الأكثر قراءة