تنطلق اليوم في كافة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فعاليات أسبوع المرور الخليجي الثلاثين، والذي يحمل هذا العام شعار "غايتنا سلامتك".
وتعد مناسبة أسبوع المرور الخليجي، فرصة مواتية لوقفة مع النفس من أجل المراجعة؛ لقياس ما حققته هذه الأسابيع وعلى مدى ثلاثة عقود من الزمان، وإسهامها الفعلي في رفع درجة الوعي المجتمعي بمخاطر حوادث الطرق، وما ينجم عنها من استنزاف للطاقات البشريّة، وتآكل للموارد الاقتصاديّة، حيث إنّها من جهة تحصد الآلاف من أبناء دول التعاون ممن يروحون ضحيّة التهاون في تطبيق اشتراطات السلامة، ونتيجة الممارسات المرورية الخاطئة، كما إنّها - أي الحوادث - تكبد الاقتصادات الخليجيّة خسائر مركبة، فهي من جهة تخسر شبابا في عمر العطاء والإنتاج، كما إنّها في ذات الوقت تصرف مبالغ طائلة في الخدمات العلاجيّة والرعائية للمصابين في الحوادث المرورية.
إذن، ننتظر المزيد من التفعيل لأسابيع المرور الخليجيّة، حتى لا تكون مجرد مناسبات احتفائية، بل نريد لها أن تصل برسالة التوعية التي هي الهدف الرئيس من هذه الأسابيع إلى كافة المستهدفين بمختلف القطاعات المجتمعيّة؛ تحقيقًا لاستراتيجيّة السلامة المروريّة والتي لن تتأتى إلا بإيصال الرسالة التوعوية لأفراد المجتمع، حتى يستشعر الجميع ويدرك مخاطر الحوادث المروريّة، والعمل على بلورة واستنهاض جهد جماعي للإسهام في هذا الواجب، والتعاون مع إدارات المرور والدوريّات للحد من الحوادث التي أصبحت تشكل هاجسًا كبيرًا لمجتمعنا باعتبار أنّها تأتي في مقدمة أسباب الوفاة والإصابات في مجتمعنا، ودونكم الإحصائيات المرورية التي تشير إلى معدلات مقلقة من الوفيّات والإصابات الناجمة عن حوادث المرور.
ولأنّ جسامة المسؤولية تتطلب تضافر الجهود، وتنسيق الأدوار، ينبغي العمل على التخطيط لإشراك المجتمع بكافة قطاعاته وشرائحه في الجهد التوعوي، حتى تصبح التوعية بمثابة رسالة وتكليف ينهض به الجميع بصورة متناغمة، وقبل ذلك يتمثله الكل في سلوكهم المروري، بما ينعكس أمنًا وطمأنينة على الطرق، وسلامة على مرتاديها.
فالتوعية والمسؤولية - وعلى خلاف الفهم السائد- ليست مسؤوليّة الجهات الشرطيّة والأمنية أو إدارات المرور والدوريات فحسب، وإنّما مهمة كافة الأطياف المجتمعيّة بدءًا بالفرد ومرورًا بمؤسسات التربية والتعليم والإعلام؛ باعتبارها المحاضن التي يعوّل عليها في غرس القيم الإيجابيّة، ومجافاة الممارسات السلبية، علاوة على دور المؤسسات والهيئات الأخرى التي يرتجى منها تعزيز السلوكيّات المرورية الصحيحة عبر مختلف الأنشطة. ويشكل أسبوع المرور، مناسبة يمكن توظيفها لإيصال مفهوم ما يمكن الاصطلاح عليه بالمسؤولية الجماعية تجاه السلامة المرورية، وذلك بتوظيف أنشطة وفعاليات الأسبوع لهذا الغرض؛ بل والسعي إلى تكريس نهج توعوي مستدام لا يرتبط بمناسبة، ولا يقترن بزمن؛ بل يكتسب صفة الديمومة والاستمرارية لضمان وصول الرسالة، وتغلغلها عميقًا في عقول وأفئدة المستهدفين.. وللخروج من نفق الروتينيّة، وكسر حدة الرتابة، ينبغي أن تتميز الفعاليات بالتنوّع والتجدد والابتكار حتى تؤتي أكلها بخلق قناعات لدى المتلقين بحتميّة استيعاب رسالة السلامة المروريّة، وتطبيق مفرداتها باعتبار أنّ ذلك ضرورة تحتّمها مقتضيات السلامة، وليست مجرد ترف توعوي يمكن الاستغناء عنه..
ونقول استطرادَا، إنّ التوعية المروريّة عامل حاسم ومهم في السلامة المروريّة؛ ولكنّها قطعًا ليست العامل الوحيد، وكما يقال فإنّ مثلث السلامة المرورية يتكون من أضلاع: السائق والمركبة والطريق..
فالتوعية تستهدف السائق، ويبقى عاملان: هما المركبة والطريق، وتشكل تحوطاتهما متضامنة مع التوعية، طوق النجاة من مخاطر الحوادث، والسبيل إلى الحد منها..
ففي ما يتعلّق بالطرق تلعب هندستها والمسائل الأخرى ذات الصلة بتجهيزاتها من إنارة وعلامات إرشادية وغيرها؛ دورًا مهمًا في السلامة المرورية، بينما يشكل إهمال أي من عناصرها مهددًا مباشرًا لهذه السلامة؛ وفي هذا الصدد لا يختلف اثنان على أنّ شبكة ومنظومة الطرق في السلطنة، تعد واحدة من أهم إنجازات النهضة المباركة وتمتاز بجودة عالية، إلا أنّ هذا لا ينفي وجود بعض المفاصل في هذه الطرق تحتاج إلى إعادة نظر من حيث التوسعة وتعدد المسارات في بعض المواقع والأماكن بما يوفر المزيد من الأمان المروري لمرتاديها..
وفي ما يتعلق بالمركبة، ينبغي إيلاء المزيد من الاهتمام لكل ما يتعلق بسلامتها، باعتبار أنّها إمّا أن تكون وسيلة مريحة ومأمونة للتنقل، أو بمثابة نعوش طائرة على الطرق لافتقارها إلى الصيانة اللازمة، وكم من أسرة راحت ضحيّة التهاون في قياس ضغط إطار المركبة!! وكم من أشخاص لفظوا أنفاسهم الأخيرة على الأسفلت نتيجة إهمال صيانة المركبة!!
إذن، للسلامة المرورية أركان ينبغي الحرص على توافرها معًا، حتى ينهض بناء السلامة متماسكًا وقادرًا على حماية المستظلين به من مخاطر الطريق.