تعمين وظائف الأمن السيبراني

 

 

 

عباس المسكري

 

مع توسع الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية في إدارة الأعمال والخدمات الحكومية، أصبح الأمن السيبراني عنصرًا أساسيًا لضمان استقرار المؤسسات وحماية المعلومات الحيوية، فالهجمات الإلكترونية تتزايد سنويًا، وقد تتسبب في خسائر مالية كبيرة وتسريب معلومات حساسة تُؤثر على الأمن الوطني والاقتصاد، لذلك لم يعد الأمن السيبراني مجرد أداة تقنية؛ بل أصبح عاملًا إستراتيجيًا لحماية البيانات الوطنية وتأمين مستقبل رقمي مستدام.

لهذا السبب، تولي الحكومات وكبرى الشركات العالمية والمحلية اهتمامًا بالغًا بالأمن السيبراني؛ باعتباره الضامن الرئيس لسلامة قواعد البيانات وسرية المعلومات، وضمان موثوقية الخدمات المُقدمة للمواطنين والعملاء على حد سواء، وفي بعض الحالات قد تلجأ هذه الجهات لعقد اتفاقيات مع شركات عالمية لإدارة الأمن السيبراني، وهو خيار عملي لكنه يحمل تحديات مرتبطة بالاعتماد على أطراف خارجية، حيث تظهر أحيانًا تقارير عن مشكلات أو تواطؤ محتمل.

هذا الواقع يُعزز من أهمية الاستثمار في بناء شركات وطنية متخصصة في الأمن السيبراني، قادرة على إدارة هذه المهام محليًا وبكفاءة عالية، وتطوير هذه الشركات يمنح الدولة القدرة على ابتكار حلول تقنية محلية مُصممة خصيصًا لمواجهة التحديات الرقمية وفق السياق الوطني، مما يعزز استقلالية الوطن وقدرته على تقديم حلول أمنية متقدمة في الأسواق الإقليمية والدولية.

وفي هذا الإطار، يظهر الشباب العُماني ككوادر مؤهلة للعمل في هذا القطاع الحيوي، ولتحقيق أقصى استفادة وطنية، يجب توجيه جهود التوطين نحو الوظائف المتقدمة في الأمن السيبراني، بدل التركيز على الوظائف التقليدية والمنخفضة المهارات، التي لا تُسهم في بناء مستقبل الشباب ولا تُلبي طموحاتهم المهنية، وشغر هذه الوظائف الإستراتيجية بالوافدين قد يعرض البيانات الحيوية لمخاطر غير متوقعة، بينما توظيف الكفاءات الوطنية يضمن حماية المعلومات ويخلق مسارات مهنية مستدامة، ويبني قاعدة معرفية وطنية قوية لمواجهة التحديات الرقمية المستقبلية.

الاستثمار في الأمن السيبراني الوطني يمثل أيضًا فرصة اقتصادية إستراتيجية؛ إذ يخلق وظائف مستدامة ويتيح للشباب الانخراط في قطاع تقني متقدم، ويدعم الابتكار المحلي ويقلل الاعتماد على الخبرات الأجنبية، مما يُعزز من قيمة الكفاءات الوطنية ويحقق مردودًا اقتصاديًا ملموسًا للمجتمع.

الأمن السيبراني ليس مجرد تخصص تقني؛ بل هو ركيزة أساسية للاستقلالية الرقمية وحماية السيادة الوطنية، وتوظيف الشباب العُماني في هذا المجال وإنشاء شركات وطنية متخصصة يضمن حماية البيانات الوطنية، ويحول الخبرات المحلية إلى قوة اقتصادية وإستراتيجية، ويُؤسِّس لمستقبل رقمي آمن ومستدام يدعم تطور المؤسسات وازدهار المجتمع بأسره.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة

z