لولا فسحة الأمل

 

حاتم الطائي

 

◄ الأمل طاقة النور التي تمنحنا القوة لمُواصلة السعي نحو المستقبل

النهضة المُتجددة تبعث آمال التقدم والازدهار والرخاء في وطننا الحبيب

◄ تطوير التعليم وتحسين الخدمات للمواطن من أبرز آمال العام الجديد

 

لم يكُن الأمل يومًا ضربًا من الخيال أو مُخدِرًا لتغييب الوعي، وإنما جرعة من التَّفاؤل الواعي الممزوج باليقين في تحقق الأهداف التي نرسمها بعناية، وما أحوجنا هذه الأيام للتَّحلي بهذا التفاؤل الباعث على الأمل؛ سواء على المستوى الوطني لعُماننا الحبيبة، أو على المستوى الشخصي لكل فرد يعيش على تراب هذا الوطن العزيز الشامخ.

والحديث عن الأمل يتزامن مع نفحات عامٍ جديد يُرسل تباشيره هذه الأيام، فبينما ننزع عن أنفسنا رداء عامٍ مضى بكل ما فيه من تحديات ونجاحات، نتأهب لعام مُقبلٍ بخطى وئيدة، تلوح في أفقه شمس هذا الأمل وقمره، لتبعث فينا الدفء والنور، وتمنحنا الطاقة والإرادة لمُواصلة العمل الجاد والإنجاز الصادق، ولنتحلى كذلك بالصبر ليكون عونًا لنا على الإصلاح والمُضي قُدمًا في مسيرة التَّقدم والازدهار.

عُمان اليوم تُوشك أن تبدأ عامًا جديدًا من نهضتها المُتجددة، نهضةٌ ترسّخت بقيم العطاء والعمل الجاد الذي لا يعرف التَّراجع أو الاستسلام للظروف الطارئة؛ فنجحت في أن تشق طريقها نحو الاستقرار، رغم التحديات الداخلية والخارجية. إنِّها النهضة الهيثمية المُتجددة بنور الأمل العُماني، والمُفعمة بقوة العدالة الاجتماعية والإصرار على البذل. يقترب العام الجديد وعُمان الخير والسلام تنعم بالاستقرار والأمن، في مُحيط إقليمي غير مستقر، ومنظومة دولية تُعاني من اختلال القوة والعدالة، لكن الحكمة العُمانية نجحت في أن تُجنِّب أبناء هذا الوطن التَّداعيات التي نشهدها من حولنا، فاستمرت سفينة النوخذة تمخر عباب البحار، وتنشر قيم التَّسامح والتعايش في أنحاء العالم.

يدنو العام الجديد، وقد تحقق لعُمان الكثير من الإنجازات، اقتصاديًا ودبلوماسيًا وفي شتى المجالات، فعلى مستوى الميزانية العامة للدولة، تتواصل الأرقام الإيجابية المُبشرة بتقلُّص العجز المالي واستمرار سداد الديون، بالتوازي مع مُعدلات إنفاق عام متوازنة تُلبي الاحتياجات التنموية. وعلى الرغم من الاستقرار النسبي لمتوسط سعر برميل النفط، إلّا أنَّ الجهود لم تتوقف من أجل مُواصلة التنويع الاقتصادي، ما انعكس في حجم الإيرادات الجارية غير النفطية التي بلغت في الربع الثالث من العام 2025 نحو 2.4 مليار ريال، فيما تصل التقديرات المعتمدة بالإيرادات غير النفطية إلى 3.57 مليار ريال بنهاية عام 2025. ومع ختام هذا العام، نكون قد انتهينا من تنفيذ خطة التنمية الخمسية العاشرة، بمُؤشرات إيجابية عكست الحرص على تنفيذ المُبادرات التي تضمنتها الخطة عند بدء تنفيذها في 2021، فيما نبدأ خلال أيام قليلة تنفيذ خطة التنمية الخمسية الحادية عشرة، والتي تمثل ثاني الخطط الخمسية في رؤية "عُمان 2040"، ما يُؤكد أنَّ الجهود الرامية للنهوض باقتصادنا الوطني تمضي على قدم وساق.

النجاح الاقتصادي توازى كذلك مع نجاحات وطنية أخرى، في مجالات التعليم والصحة والتنمية المستدامة، فقد حقق عدد من الجامعات العُمانية مراكز مُتقدمة في عدد من المُؤشرات والتصنيفات الدولية، وهو ما يتماشى مع مُستهدفات رؤية "عُمان 2040"، كما افتُتح العديد من المشروعات التنموية في جميع المُحافظات، وحقق أبناؤنا نجاحات مرموقة في مسابقات محلية وإقليمية ودولية. وكل هذه القصص الناجحة تُعزز في نفوسنا الأمل في الغد المُشرق، واليقين بأنَّ هذا الوطن ماضٍ نحو تحقيق كل الأهداف التي يطمح لها أبناؤه الأوفياء البررة، وبسواعدهم الفتية، وإمكانياتهم المعرفية، ونبوغهم العلمي، والأهم من ذلك كله، بوفائهم لقائد هذا الوطن المُعظم حفظه الله ورعاه.

الأمل العُماني يترسخ يومًا وراء يوم، وعاماً تلو الآخر، وجيلاً بعد جيل، إنه جِين عُماني خالص؛ فالعُماني لم يكن يومًا مُتشائمًا ولم يفقد الأمل ولم يُصبه الإحباط، ففي أصعب الظروف ينظر العُماني إلى النور القادم في آخر النفق، ليمضي نحوه مُشعلًا في نفسه جذوة الأمل التي تهديه إلى هذا النور، فيصل بكل جدارة إلى ما كان يسعى إليه.

هكذا يجب أن نكون ونحن مقبلون على عام جديد، مُشمِّرين عن سواعد الجد، وآخذين بأسباب التَّقدم والحضارة، مُتحلّين بالأمل الإيجابي القائم على الوعي والفعل، وليس الأمل السلبي المبني على التصورات الساذجة ورغبات التَّمني والرجاء دون عمل حقيقي وجهد ملموس.. أملٌ يرتكز على فَهم الواقع وتحليله، بل ونقده، النقد الموضوعي البنَّاء الهادف إلى تصويب المسارات، والإيمان بالقدرة على تغيير هذا الواقع نحو الأفضل والأجمل والأكثر خيرًا لوطننا.

ولذلك، ونحن نتمسّك بتلابيب الأمل، علينا أن ننشد التطوير والتحسين من واقعنا المُعاش؛ ففي قطاع التعليم، تتعاظم أهمية تطوير المناهج وأساليب التدريس وأن نُصحح الهدف من التعليم، فليس الهدف أن يتعلم الطالب لكي نضعه تحت الاختبار في نهاية العام، وإنما لكي يمضي في مسيرة التعليم مُستفيدًا من كل كلمة قرأها وكل كتاب اطلع عليه، وكل معلومة ترسخت في ذهنه، فلا معنى لتعليم لا يبني المهارات، ولا يُؤسس لعقلية نقدية. كما لا يجب أن نستمر في نظام تعليمي يطلب فيه المُعلم من طلبته "حفظ" النصوص، بدلًا من نقدها وتحليلها. علينا أن نبني نظامًا تعليميًا يحُض على الإبداع والتأمل، ويُحفز مهارات الابتكار ليس فقط للحصول على درجة أو تقييم مُرتفع في هذه المادة أو تلك، وإنما ليكون هذا الابتكار أسلوب حياة ومُمارسة يومية. نريد نظامًا تعليميًا يغرس حُب التعليم والتعلُّم في نفوس الطلبة، وأن يمنح التلميذ في بداية مسيرته الرغبة الكفيلة بمواصلة هذا المشوار طوال عمره، وليس فقط حتى يحصل على الشهادة. نأمل نظامًا تعليميًا يحث على الفضول المعرفي ويُعزز ملكات التفكير والبحث، عندئذٍ سينطلق أبناؤنا من ضيق "الحفظ والتلقين" إلى فضاءات المعرفة والاطلاع ولذة الإبداع والابتكار.

ويبقى القول.. إنَّ الأمل الذي نتحدَّث عنه يمتد إلى قطاعات الصحة والتنمية الشاملة والخدمات الاجتماعية.. أملٌ نمنحه لكل مواطن يشكو في صمت من تحوّلات الحياة ومنعطفاتها، وقد أنهكه الركض وراء لقمة العيش ويحلم باليوم الذي يهدأ فيه قلبه وفكره، ويطمئن فيه على أبنائه.. أملٌ في المُستقبل الذي يسعى له كل إنسان، آخذًا بأسباب النجاح.. أملٌ بحجم هذا الوطن الكبير، الشامخ كجباله العالية، المتدفق كمياه أفلاجه المُنسابة.. تحلُّوا بالأمل واعملوا من أجله؛ لأنَّ الأمل هو طاقة النور التي نعبر من خلالها إلى الحياة التي نُريد ونسعى لها.

الأكثر قراءة

z