يدٌ آثمة

 

 

 

جابر حسين العماني **

Jaber.alomani14@gmail.com

 

حضر المصلون كعادتهم لإقامة صلاة الجماعة في أحد المساجد في الحارة، ولكن حضورهم كان مختلفا تمامًا؛ حيث وجدوا أبواب المسجد مفتوحة بطريقة مختلفة، وهناك آثار خطوات حذاء كبير مرسومة من الطين على سجاد المسجد من الخارج إلى الداخل. تابعوا الأثر، وإذا بهم يتفاجؤون بسرقة صندوق تبرعات المسجد بما فيه من أموال خصصت للمسجد.

والمسجد بيت من بيوت الله تعالى، وهو من الأماكن المقدسة في المجتمعات الإسلامية العربية والأجنبية، يقصده الناس لعبادة الله الواحد الأحد والتضرع إليه، ومع قدسيته العظيمة والمباركة إلا أنَّ هناك حوادث مؤسفة باتت تؤرق المجتمع.

تتمثل تلك الحوادث في سرقة المساجد، وهي أمور مؤسفة للغاية لا تحصر آثارها الوخيمة على الجانب المادي فحسب، وإنما تتعدى ذلك كثيرًا، وتمتد لتشمل أبعادًا خطيرة تسيء إلى منظومة الأخلاق الحميدة التي تربت عليها المجتمعات العربية والإسلامية.

اليوم ومع كل الأسف هناك سرقات متنوعة تتعرض لها بيوت الله تعالى، ومنها سرقة صناديق التبرعات والصدقات، لتمتد الى أحذية المصلين، ومكبرات الصوت والأجهزة الكهربائية، ومن اللصوص من لم يكتفوا بفعل ذلك؛ بل تعدوا حتى على سرقة المصاحف وكتب الأدعية الخاصة بالمسجد.

عندما نتأمل قليلا في أسباب انتشار ظاهرة سرقة المساجد سنجدها ترجع إلى عدة أسباب واضحة وجوهرية، والتي منها:

أولًا: انتشار الفقر والبطالة التي جعلت من البعض لقلة موارده المادية يقدم على سرقة بيوت الله تعالى، وهنا يتوجب على الحكومات ومسؤوليها توفير فرص العمل لمحو مشكلة البطالة والفقر في المجتمع العربي والإسلامي.

ثانيًا: ضعف الوازع الديني والأخلاقي، فالشاب عندما لا يجد من يحتويه ويعلمه الآداب والقيم الأخلاقية والدينية، ومن أهمها الحفاظ على حقوق الغير، من الطبيعي سيتحول إلى سارق لحقوق الناس.

ثالثًا: انتشار المخدرات بأنواعها المختلفة، والذي أدى إلى إدمان الكثير من أبناء المجتمع، وجعلهم يبحثون عن مصادر دخل محرمة شرعا لتلبية احتياجاتهم الجسدية.

رابعًا: غياب الرقابة والحراسة عن المساجد، مما جعل من ضعفاء النفوس يتجرؤون على سرقة بيوت الله تعالى، دون أي رادع يردعهم.

خامسًا: تقاعس أبناء المجتمع عن إبلاغ الجهات الأمنية بشأن سرقات المساجد، مما يجعل السرقات تتكرر والممتلكات العامة تختفي دون مساءلة أو رقابة.

مثل هذه الحوادث السلبية يجب الوقوف عندها، فهي تخلف آثارًا غير محمودة على المجتمع وأفراده، ومن تلك الآثار الصعبة انتهاك حرمة المساجد، وزعزعة ثقة وأمن المصلين الكرام، فضلا عن تشويه القيم الأخلاقية المحمدية الأصيلة.

اليوم ينبغي على المجتمع التصدي لحوادث سرقة المساجد، وإيجاد سبل واضحة للوقاية والمعالجة بكل السبل المتاحة، ولا يكون ذلك إلا من خلال تعزيز التوعية الاجتماعية بأهمية خطورة التعدي على مساجد الله تعالى، إضافة إلى تركيب الأنظمة المناسبة لمراقبة المساجد، مثل: تركيب كاميرات المراقبة.

إن الحفاظ على حرمة المساجد وقدسيتها يتطلب وعيًا دينيًا وتعاونًا مجتمعيًا من قبل أبناء المجتمع مع الجهات الأمنية، لضمان أمن وسلامة بيوت الله تعالى بما يمكنها من أداء رسالتها الاجتماعية والدينية على أكمل وجه ممكن.

ختامًا.. يؤكد الباري عز وجل قائلاً في محكم كتابه وفصيح بيانه: "إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ" (التوبة: 18)، ويقول الإمام الصادق: "إِذَا بَلَغْتَ بَابَ اَلْمَسْجِدِ فَاعْلَمْ أَنَّكَ قَصَدْتَ بَابَ بَيْتِ مَلِكٍ عَظِيمٍ لاَ يَطَأُ بِسَاطَهُ إِلاَّ اَلْمُطَهَّرُونَ، وَلاَ يُؤْذَنُ بِمُجَالَسَةِ مَجْلِسِهِ إِلاَّ اَلصِّدِّيقُونَ" لذلك فإن هناك مسؤولية عظيمة تقع على عاتق الجميع تجاه مساجد الله تعالى وعمارتها وحفظها من الأيدي الآثمة التي لا تعرف إلا مصالحها الشخصية.

** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء

الأكثر قراءة

z