منظومة الحماية الاجتماعية تحت المجهر!

 

 

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

التخطيط السليم والتنفيذ الأمين للاستراتيجيات الوطنية التي يُفترض لها أن تلامس احتياجات المواطن وتتوافق مع طموحات الوطن، تعتمد بالدرجة الأولى على المعلومات الدقيقة التي جُمعت من الميدان، وعلى وجه الخصوص تلك التي تُعبِّر عن نبض الشارع وتعكس حقيقة التحديات التي تواجه المجتمع وتنتظر حلولًا عاجلة وسريعة من صُنَّاع القرار الذين بلا شك يتطلعون إلى تحقيق النجاح لكي يتركوا بصمة في يوم من الأيام قبل مغادرتهم للوظائف العليا التي يشغلونها.

لكن السؤال المطروح: هل هناك دراسات علمية رصينة تُمكِّن هؤلاء المسؤولين من الخروج من الضبابية وعدم وضوح الرؤية التي تعشعش في أروقة بعض الوزارات والهيئات الحكومية؟

الحقيقة المُرَّة تتمثل في الوحدات الحكومية الكبيرة منها والصغيرة التي يُناط بها دراسة وتقييم السياسات الحكومية، لكنها وجدت نفسها غير قادرة على تغيير المشهد والواقع الاجتماعي، وذلك من خلال طرح أفكار خارج الصندوق لمعالجة الملفات الوطنية الساخنة، غير أنها لم تخطُ خطوات متقدمة في إرضاء الناس الذين تستهدفهم المشاريع والخطط التنموية والخدمات الحكومية كتوفير وظائف جديدة في سوق العمل ومنع الشركات الكبرى التي تعمل في البلاد من تسريح المواطنين، على الرغم من المزايا التي تُمنح لهذه الشركات الناكرة للجميل؛ فبعض الحكومات عبر العالم التي تتخذ إجراءات عقابية لمن يُسرِّح مواطنيها دون مبرر، وكذلك رواتب الضمان الاجتماعي والمساعدات السكنية وغيرها من المزايا التي تمنح للمواطن العُماني والتي بالفعل تحتاج للتقييم والدراسة من جديد؛ لكي توفر للموطن العُماني الحياة الكريمة حسب النظام الاساسي للدولة الذي كفل للجميع الحقوق والواجبات، والأهم من ذلك كله رفع سقف الحد الأدنى للأجور إلى 500 ريال لحاملي الدبلوم العام و700 ريال لحاملي الشهادة الجامعية.

لقد تابعنا عبر السنوات الماضية استحداث دوائر ووحدات حكومية لمساعدة الأجهزة التنفيذية والوزارات على تصويب قراراتها والعمل كمنظومة متقدمة لتحسين الأداء الحكومي، ولكن الملفات الساخنة والصعبة لم يتم حلحلتها بالمستوى المطلوب، ربما لصعوبتها أو عدم منحها الأهمية الكاملة من البعض، وقد يكون السبب الحقيقي عدم توفر بحوث ميدانية حقيقية في المجالات المطلوبة تطويرها. ويترتب على ذلك عدم وضوح الرؤية للمخططين وصناع القرار؛ مما يؤدي إلى أن القرارات التنفيذية القليل منها يُصيب والكثير منها يحتاج للمراجعة وإعادة النظر.

وعلى الرغم من النقلة النوعية التي اتخذتها الحكومة الرشيدة خلال السنوات القليلة الماضية في مجال الحماية الاجتماعية وتحقيق الرفاهية للمجتمع العُماني بمختلف شرائحه؛ إذ إن مخصصات صندوق الحماية الاجتماعية تقدر بمئات الملايين من الريالات سنويًا؛ إلّا أن هناك شكاوى تتصدر منصات التواصل الاجتماعي من المجتمع بهدف إنصاف الحلقات الضعيفة من المجتمع الذين وجودا أنفسهم في ظروف صعبة وغير مريحة. وقد يكون السبب في التشريعات التي لم تراعِ أصحاب الدخل المحدود، فيما يعتقد البعض أن منظومة الضمان الاجتماعي المعمول بها سابقًا كانت أرحم بتلك الفئات الفقيرة، خاصة الأسر الكبيرة التي تتكون من بضعة أفراد، قبل تدخُّل حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم- حفظه الله- بتخصيص أكثر من 70 مليون ريال عُماني لدعم الأسر الفقيرة. أما الأشخاص ذوو الإعاقة فما يزالون ينتظرون الحل العاجل، فعلى سبيل المثال المعاق المصاب بشلل نصفي لا يستطيع أن يجمع بين منفعة كبار السن ومنفعة الإعاقة التي تبلغ 130 ريالًا عُمانيًا والتي تقدر مجتمعة 245 ريالًا عُمانيًا؛ حيث إن المادة (160) في قانون الحماية الاجتماعية، تفيد بأنه يستحق أيهما أكبر من المنفعتين فقط؛ أي يضاف له 15 ريالًا لإعاقته!

ولقد تابعنا حالات كثيرة من الورثة الذين كانوا في القوانين السابقة يستحقون الراتب التقاعدي للمُتوفَّى، لكن تم استبعادهم من تلك الحقوق بدعوى أن الراتب التقاعدي ليس ميراثًا، بحيث يتم تصنيف هؤلاء الذين كانوا ضمن رعاية ذلك المتوفى عندما كان على رأس عمله مثل الأم والاخوات بأنهم ليسوا من الدرجة الأولى، وذلك يحرمهم من الراتب التقاعدي وعودة هذه المبالغ- بدلًا منهم- لخزينة الدولة.   

وفي الختام.. حان الوقت لمراجعة المواد والنصوص القانونية التي لم تُنصِف البعض من أبناء هذا الوطن، وخاصة أصحاب الدخل المحدود ومستحقي الرواتب التقاعدية لذويهم، بما يضمن تحقيق العدالة، وكما قيل في سابق الازمان "العدل أساس المُلك".

والأهم من ذلك كله النظر بعين الرحمة إلى الباحثين عن عمل الذين طال بهم الانتظار في البحث عن مصدر رزق وذهبت أعمارهم بلا رجعة، بحيث تُخصَّص لهم مُساعدة شهرية تقدر بـ250 ريالًا عُمانيًا لحين توفر فرصة عمل لهم.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

الأكثر قراءة

z