الطفل بائع السمن والعسل

 

 

 

سالم بن نجيم البادي

 

الطفل يوسف يجلس في زاويةٍ على الشارع العام يبيع السمن والعسل واللومي اليابس.

وتظهر على وجهه علامات العوز والفاقَة، وهو ضئيل الجسد قصير القامة. وكلما شاهد سيارة قادمة هبَّ واقفًا، ونظر ذات اليمين وذات الشمال نظراتٍ فيها توسّل ورجاء، ولسان حاله يقول: توقّفوا… اشتروا بضاعتي… أريد أن أعود إلى البيت مُبكرًا وأخبر أهلي بأنني بعت كل شيء، وها هي النقود التي عدت بها… وسيقول ذلك بفرح ظاهر مُترقبًا كلمات الثناء.

يوسف يتواجد كل يوم في ذلك المكان من الساعة الثالثة بعد الظهر وحتى المغرب. وهو يدرس في الصف السادس، وينتهي دوامه المدرسي عند الساعة الواحدة وأربعين دقيقة ظهراً.

متى يرتاح يوسف ومتى يذاكر دروسه؟

سألته، فأجاب بخجل: في الليل.

صوّرت يوسف بعد أن سمح لي بتصويره.

وقد تواصل معي بعض متابعي حسابي في تطبيق «إنستغرام» وطلبوا رقم هاتف والد الطفل، ووعدوا بمساعدته ماديًا. كما تواصل معي أحد محلات بيع الملابس لتوفير ملابس شتوية له، وتبرّعت حملة البادي للحج والعمرة بعمرة مجانية ليوسف.

إنَّ يوسف وأقرانه الذين يقفون على قارعة الطريق للبيع لا يفعلون ذلك رغبةً في كسب المزيد من المال، كما يعتقد بعض النَّاس.

وحين نصوّرهم أو نكتب عنهم تنهال علينا سهام اللوم، ويُقال إن هؤلاء الأطفال لديهم ما يكفيهم من المال، وإنهم يشوّهون صورة البلد، وإن القانون يمنع عمل الأطفال قبل بلوغ سن الخامسة عشرة، وإن وقوفهم على الشارع للبيع يمكن اعتباره نوعًا من أنواع العمل، وهذا قد يثير انتباه المنظمات الدولية.

ويُقال أيضًا إنَّ هؤلاء الأطفال تشملهم مظلة صندوق الحماية الاجتماعية، وأي حمايةٍ هذه التي تمنحهم 10 ريالات فقط لا تكفيهم حتى للشراء من مقصف المدرسة، وقد صار سعر علبة العصير الصغيرة 200 بيسة، والغلاء اكتسح كل شيء.

ولنا أن نسأل أنفسنا: ما الذي يجعل هؤلاء الأطفال أمثال يوسف يقفون على قارعة الطريق لساعات طويلة بعد عناء يومٍ دراسي طويل ومرهق؟

في الوقت الذي ينعم فيه أقرانهم الميسورون بالراحة والنوم واللعب واستخدام هواتفهم، وحضور المناسبات والرحلات والسفر والترفيه.

لقد آن الأوان للبحث بعمق في قضية الأطفال الذين يبيعون في الطرقات والشوارع، وإجراء الدراسات العلمية المحكمة للوصول إلى حل جذري ودائم يحفظ كرامة هؤلاء الأطفال، ويتركهم يعيشون سنوات طفولتهم بسعادة وأمان واستقرار، حتى ينطلقوا نحو مستقبلٍ مشرق لهم ولأسرهم ولوطنهم.

ولا تحدّثونا عن 10 ريالات منفعة الصغار، ولا عن 115 ريالًا منفعة كبار السن، ولا عن راتبٍ تقاعدي زهيد، ولا عن راتب قدره 325 ريالًا وهو الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص.

لن أقترح حلولًا، فلدَى الجهات المختصة خبراء في الاقتصاد والمال وعلم الاجتماع، ولديهم الإحصاءات والمعلومات عن المواطنين وأعدادهم وأحوالهم الاقتصادية ومتوسط دخل الأفراد، وكل المعلومات متاحة الآن بضغطة زر. ولدينا مجلس شورى منتخب يمثل الشعب، ومجلس الدولة، ومجلس الوزراء.

كفّوا عن لوم هؤلاء الأطفال. وحسّنوا أوضاعهم وأوضاع أسرهم… أغنوهم، ثم امنعوهم من البيع على الشوارع إن شئتم.

وإن كنتم لا تعلمون عدد الأطفال المعسرين في الأسر المعسرة، فاذهبوا فقط إلى الفرق الخيرية ولجان الزكاة في الولايات.

إنَّ يوسف وأمثاله كثيرون، ويحتاجون لمن ينقذهم من براثن ذلّ الحاجة!

الأكثر قراءة

z