كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (61)

 

 

 

تحقيق- ناصر أبوعون

يقول الشَّيخُ القاضي عِيَسى بن صالح بن عامر الطَّائِيُّ الأجَلّ: [(فَرَجَعْنَا إِلَى المَنَاخِ ظُهْرًا وَبَتْنَا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا خَرَجَ السُّلْطَانُ إِلَى الصَّيْدِ. فَلَمَّا صَلَّيْنَا العَصْرَ شَدَدْنَا الرِّحَالَ قَاصِدِينَ إِلَى الجَبَلِ وَبَتْنَا أَسْفَلَ الجَبَلِ فِي(وَهْدَةٍ) هُنَاكَ كَثِيرَةِ الكَلَأ وَالعُشْبِ، فَكَأَنَّمَا أَبُو الطَّيِّبِ يَنْظُرُ إِلَى حَالَتِنَا بِعَيْنِ الغَيْبِ حَيْثُ يَقُولُ:

وَإِذَا الجَمَائِلُ مَا يَخْدُنَ بِنَفْنَفٍ // إِلَّا شَقَقْنَا عَلَيْهِ ثَوْبًا أَخْضَرَا

فَلَمّا حانَ وَقتُ السَّحَرِ تَوَضَّيْنا لِصَلاةِ الفَجْرِ مِنَ الفَلَجِ المَذْكُورِ وَلَمْ نَزَلْ نَجِدُّ السَّيْرَ حتّى فَلَقَ الفَجْرُ بِعَمُودِهِ الأبيَضِ هامَ اللَّيْلِ وَنَحْنُ في وَسَطِ عَقَبَةِ الجَبَلِ، وَهُناكَ صَلَّيْنا الفَجْرَ وَشَرَعْنا في السَّيْرِ وَاقْتَحَمْنا العَقَبَةَ وَهِيَ أوَّلُ الجَبَلِ، وَهِيَ في الحَقيقَةِ عَقَبَةٌ كَؤودٌ، وَإِنَّما زانَ وَحْشَها تَكَاثُفُ الأَشْجارِ بِها حتّى خُيِّلَ لَنا أَنَّها رَوْضَةٌ مِنَ الرِّياضِ الجَميلَةِ. وَإِنْ نَزَلْنا وَهْدَةً خُضْنا غِمارَ الشَّجَرِ، وَإِذا عَلَوْنا رَبْوَةً مَشَيْنا عَلى بِساطٍ أَخْضَرَ مِنْ حِياكَة يَدِ الغَمامِ، وَهذِهِ حالَةُ الجَبَلِ كُلِّهِ: إِمّا رَبْوَةٌ ذاتُ نَبْتٍ وَكَلَأٍ، أَوْ وهَدةٌ ذاتُ أَشْجارٍ كَثيرَةٍ مُخْتَلِفَةِ الأَجْناسِ. فَسُبْحانَ الصّانِعِ الحَكيمِ ما أَبْهَرَ حِكْمَتَهُ وَأَعْظَمَ قُدْرَتَهُ، ثُمَّ وَصَلْنا أَرْضَ بَيْتِ يَعْبُوب؛ أَي حَرَمَ قَبيلَةِ يَعْبُوب، لِأَنَّ «بَيْت» عِنْدَهُم بِمَثابَةِ (ابْن).

****

المبيت أسفل جبل ظَفار

يقول الشَّيخُ القاضي عِيَسى بن صالح الطَّائِيُّ: [(فَرَجَعْنَا إِلَى المَنَاخِ ظُهْرًا وَبَتْنَا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا خَرَجَ السُّلْطَانُ إِلَى الصَّيْدِ. فَلَمَّا صَلَّيْنَا العَصْرَ شَدَدْنَا الرِّحَالَ قَاصِدِينَ إِلَى الجَبَلِ وَبَتْنَا أَسْفَلَ الجَبَلِ فِي(وَهْدَةٍ) هُنَاكَ كَثِيرَةِ الكَلَأ وَالعُشْبِ، فَكَأَنَّمَا أَبُو الطَّيِّبِ يَنْظُرُ إِلَى حَالَتِنَا بِعَيْنِ الغَيْبِ حَيْثُ يَقُولُ: [وَإِذَا الجمَائِلُ مَا يَخْدُنَ بِنَفْنَفٍ/ إِلَّا شَقَقْنَ عَلَيْهِ ثَوْبًا أَخْضَرَا].

(رَجَعْنَا) فعلٌ لازم، ومعناه: عادوا وآبوا بعد ذهابهم. ونقرأ شاهد اللغويّ في قول منسوب إلى كعب بن لؤي بن غالب القرشيّ، يُرشد قومه في خطبته: "والأوَّلُون كالآخِرِين، كُلُّ ذَلِكَ إِلَى بَلَاءٍ، فَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَأَصْلِحُوا أَمْوَالَكُمْ؛ فَهَلْ رَأَيْتُمْ مَنْ هَلَكَ (رَجَعَ)، أَوْ مَيِّتٍ نُشِرَ؟"(01) (المَنَاخِ) موضع (التخييم والمبيت) وما حوله من مرابض الإبل والخيل. (شَدَدْنَا الرِّحَالَ) وضعنا السُرج على ظهور الدواب. (وَهْدَةٍ) منخفض أو سهل في أرض مستوية خضراء. (الكَلَأ) اسم مُفرد، وجمعه: أَكْلَاء، ومعناه: ما ترعاه الدواب من غذاء يابس. ونقرأ شاهده اللغوي في قول دويد بن زيد القُضاعيّ، يوصي أولاده عند احتضاره:"أُوْصِيْكُمْ بِالنَّاسِ شَرًّا، طَعْنًا لَزَّا، وَضَرْبًا أَزَّا، أَقْصِرُوا الْأَعِنَّة، وَأَطِيْلُوا الْأَسِنَّة، وَارْعَوا (الْكَلأ)"(02) (العُشْبِ) اسم جنس مفرد، وجمعه: أَعْشاب، أَعْشُب. ومعناه: ما ترعاه الدواب من غذاء رَطْب. ونقرأ شاهده في قول عامر بن جُوين الطائي، يذكر سحابًا يصحبه رعد وبرق: [فَلْتَرْعَاهُ بَنُو ثُعْلٍ/ وَليُسْقِ نَوْؤُه (العُشُبَا)(03)](أَبُو الطَّيِّبِ) المتنبي (303هـ – 354هـ / 915م – 965م) واسمه أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبدالصمد الجعفي الكوفي الكندي. (حَالَتِنَا) الحالة: الشأن والكيفية التي عليها رفقاء السلطان تيمور في جبل ظَفَار. ونقرأ شاهدها اللغوي في قول بَيْهس بن هلال الفَزاريّ: [اِلَبْس لِكُلِّ (حَالَةٍ) لُبُوسَهَا/ إِمَّا نَعِيْمَهَا وَإِمَّا بُؤْسَها(04)] (عَيْنِ الغَيْبِ) ذاته ونفسه، أي: أتمثل به في قوله. ونقرأ شاهده اللغوي في قول هُنَي بن أحمرَ الكِنانيّ: [هَذَا لَعَمْرُكُمُ الصَّغَارُ بِـ(عَيْنِهِ)/ لَا أُمَّ لِي، إِنْ كَانَ ذَاكَ، وَلَا أَبُ(05)] (وَإِذَا الجَمَائِلُ مَا يَخْدُنَ بِنَفْنَفٍ/ إِلَّا شَقَقْنَ عَلَيْهِ ثَوْبًا أَخْضَرَا)(06) وهذا البيت من بحر الكامل، "الجمائل جمع جمالة وهي الجمال الكثيرة وروى ابن جنى الحمائل بالحاء جمع حمولة وهي الإبل يخمل عليها والنفنف الأرض الواسعة يقول إذا سارت الركاب في أرض وهي مخضرة بالكلاء بدت عليها آثار سيرها فكأنها شقت ثوبا أخضر والمعنى أنهم فارقونا أيام الربيع عند خضرة النبات"(07)

وصف جمال عقبة جبل ظَفار

يقول الشَّيخُ القاضي عِيَسى بن صالح الطَّائِيُّ: [(فَلَمّا حانَ وَقتُ السَّحَرِ تَوَضَّيْنا لِصَلاةِ الفَجْرِ مِنَ الفَلَجِ المَذْكُورِ وَلَمْ نَزَلْ نَجِدُّ السَّيْرَ حتّى فَلَقَ الفَجْرُ بِعَمُودِهِ الأبيَضِ هامَ اللَّيْلِ وَنَحْنُ في وَسَطِ عَقَبَةِ الجَبَلِ، وَهُناكَ صَلَّيْنا الفَجْرَ وَشَرَعْنا في السَّيْرِ وَاقْتَحَمْنا العَقَبَةَ وَهِيَ أوَّلُ الجَبَلِ، وَهِيَ في الحَقيقَةِ عَقَبَةٌ كَؤودٌ، وَإِنَّما زانَ وَحْشَها تَكَاثُفُ الأَشْجارِ بِها حتّى خُيِّلَ لَنا أَنَّها رَوْضَةٌ مِنَ الرِّياضِ الجَميلَةِ)]

(وَقتُ السَّحَرِ) الزمن الأخير من الليل قُبيل الفجر. ونقرأ شاهده اللغوي في قول عَصَام الكِنْديّة، تصف ثغر فتاة: [فِيْهِ ثَنَايَا غُرّ، ذَوَاتُ أُشُر، وَأَسْنَانٌ تَبْدُو كَالدُّرَر، ورِيْقٌ كَالْخَمْر، لَهُ نَشْرُ الرَّوْضِ فِي (السَّحَر)(08)" (تَوَضَّيْنا) الوُضُوء مصطلح فِقهيّ، ومعناه: "غَسل الوجه واليدين إلى المِرْفقين، ومَسْح الرأس، وغَسل الرجلين إلى الكعبين بِنِيّةٍ مخصوصة"، ونقرأ شاهده في قول علي بن أبي طالي – رضي الله عنه "ألَا أُريكم وُضوءَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ ثُم توضَّأ ثلاثًا ثلاثًا"(09)(نَجِدُّ السَّيْرَ) نجتهد في المسير. (فَلَقَ الفَجْرُ بِعَمُودِهِ الأبيَضِ) (فَلَقَ) شَقَّه، وأوضه، وأبداه، وأضاءه. ونقرأ شاهده اللغوي في قول بَيْهس بن هلال الفزاريّ: [وَقَدْ رَكَبْتُمْ صَمَّاءَ مُعْضِلَةً/ تَفْرِي الْبَرَاطِيْلَ تَفْلِقُ الْحَجَرَا(10)] (عَمُودِه الأبيَض) النور الساطع في أوله وما تبلّج من ضوئه. ونقرأ شاهده اللغوي في قول حاتم بن عبد الله الطائيّ: [أَبَى طُولُ لَيْلِكَ إَلَّا سُهُودَا/فَمَا إِنْ تُبِيْنُ لِصُبْحٍ (عَمُودَا)(11)] (هامَ اللَّيْلِ) المعنى (الرأس) والمقصود سواده (عَقَبَة الجَبَلِ) المرقى الصعب من الجبل. (عَقَبَة)اسم مفرد وجمعه: (عِقاب). ونقرأ شاهدها اللغويّ في قول الشنفريّ الأزديّ: [أَنَا السِّمْعُ الأَزَلُّ، فَلَا أُبَالي/ وَلَوْ صَعُبَتْ شَنَاخِيْبُ العِقَابِ(12)] (شَرَعْنا في السَّيْرِ) بدأنا السير. ونقرأ شاهده اللغوي في قول عمر بن الخطاب يوصي سعد بن أبي وقاص لمّا ولّاه حرب العراق: [فَاعْتَبِرْ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ اللهِ بِمَنْزِلَتِكَ عِنْدَ النَّاسِ مِمَنْ (يَشْرَعُ) مَعَكَ فِي أَمْرِكَ(13)] (وَاقْتَحَمْنا العَقَبَةَ) تجاوزنها. قال زائدة: قَحَمَ، وأَقْحَمَ: تجاوزَ(14) (عَقَبَةٌ كَؤودٌ) (كَؤودٌ) بفتح الكاف صفة مشبَّهة مفرد، والجمع منها: (كُؤُد) بضم الكاف والواو المهموزة. والمعنى: شاقة صعبة المرتقى. والشاهد فيها نقرأه في قول جليلة بنت مُرّة الشيبانيّة، تستشفع كليبًا ألا يقطع رحمه: [أخٌ وَحَرِيْمٌ داخِلٌ إِنْ قَطَعْتَهُ/وَكَيْفَ يَسُوءُ الْقَوْمَ مَنْ قَدْ يَسُودُهَا- فَمَا أَنْتَ إِلَّا بَيْنَ هَاتَيْنِ صَانِعٌ/ وَكِلْتَاهُمَا وِزْرٌ، وَصضعْبٌ (كَؤُودُها)(15)] (زانَ وَحْشَها تَكَاثُفُ الأَشْجارِ) (زانَ) فعل متعدٍ، بمعنى: حَسَّنها وجمَّلها. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول بِشر بن الهذَيل الفزاريّ: [وَلَا خَيْرَ فِي حُسْنِ الْجُسُومِ وَطُولُهَا/ إِذَا لَمْ (يَزِنْ) حُسْنَ الْجُسُومِ عُقُولُ(16)] (وَحْشَ) بسكون الحاء المهملة، وفي لغة أخرى بكسر الحاء(وَحِشَ). والوحش من الأماكن: القَفْر الخالي من الناس. ونقرأ شاهدها اللغوي في قول أبي قِلابةَ الهُذَلي: [يَا دَارُ، أَعْرِفُها (وَحْشًا) مَنَازلُهُا/ بَيْنَ الْقَوَائِم مِنْ رَهْطٍ، فَأَلْبَانِ(17)] (تَكَاثُفُ الأَشْجارِ) الكَثْف والتكاثف مصدر، وجمعه: كُثُوف، وكِثْف ومعناه: كثرة الأشجار والتفافها. ونقرأ شاهدها اللغويّ في قول يزيد بن عبد المَدان الحارثيّ: [عَدَّ الْفَوَارِسَ مِنْ هَوَازِنَ كُلِّهَا/ (كَثْفًا) عَلَيّ، وَجِئْتُ بِالدَّيَّانِ(18)] (رَوْضَةٌ) اسم، وجمعه: رِيَاض، وأَرْوَاض، ورِيْضَان، ورَوْض. ومعناها: الأرض الحسنة ذات الخضرة والماء. ويُحتمل أن أصلها فارسيّ وانتقل إلى العربية بمعنى المراعي المرويّة. ونقرأ شاهدها اللغويّ في قول عمرو بن مالك بن زيد التيميّ: [وَنَحْنُ هَدَمْنَا عِزَّ يَشْكُرَ بَعْدَمَا/ مَضَتْ حِقْبَةٌ تَحْمِي (الرِّيَاضَ) وَتَغْشِمُ(19)]

بلاغة وصف الشيخ عيسى الطائي

يقول الشَّيخُ القاضي عِيَسى بن صالح الطَّائِيُّ: [(وَإِنْ نَزَلْنا وَهْدَةً خُضْنا غِمارَ الشَّجَرِ، وَإِذا عَلَوْنا رَبْوَةً مَشَيْنا عَلى بِساطٍ أَخْضَرَ مِنْ حِياكَة يَدِ الغَمامِ، وَهذِهِ حالَةُ الجَبَلِ كُلِّهِ: إِمّا رَبْوَةٌ ذاتُ نَبْتٍ وَكَلَأٍ، أَوْ وَهَدةٌ ذاتُ أَشْجارٍ كَثيرَةٍ مُخْتَلِفَةِ الأَجْناسِ. فَسُبْحانَ الصَّانِعِ الحَكيمِ ما أَبْهَرَ حِكْمَتَهُ وَأَعْظَمَ قُدْرَتَهُ، ثُمَّ وَصَلْنا أَرْضَ بَيْتِ يَعْبُوب؛ أَي حَرَمَ قَبيلَةِ يَعْبُوب، لِأَنَّ «بَيْت» عِنْدَهُم بِمَثابَةِ (ابْن)].

(خُضْنا) فعل مُتعدٍ، والمعنى: دخلنا واقتحما. ونقرأ شاهدها اللغويّ في قول كُليب بن ربيعة التغلبيّ: [أَبَا النَّصْرِ بْنَ رَوْحَانٍ خَلِيْليِ/ إِذَا خُضْنَا الْوَغَى لَا تَحْمِلُونَا(20)]تلك العقبة كانت قفرًا خالية من الناس ولكنّ الأشجار والطبيعة زيَّنتها. (بِساطٍ أَخْضَرَ مِنْ حِياكِة يَدِ الغَمامِ) هذه الأرض الخضراء تشبه: بساطًا روته المُزن الحبلى بالماء. (بساط)(رَبْوَةٌ) بفتح الراء المهملة وبكسرها (رِبْوَةٌ)، وبضمها (رُبْوَةٌ)، وجمعها: (رُبَا) و(رُبِيّ)، ومعناها ما ارتفع من الأرض. ونقرأ شاهدها اللغويّ في قول الحارث بن عُباد البكريّ: [يَا وَيْلَ أُمِّكُمُ، مِنْ جَمْعِ سَادَتِنَا/ كَتَائِبًا كَـ(الرُّبَا)، وَالْقَطْرُ يَنْسَكِبُ(21)]. (بِساط أَخْضَرَ) اسم مفرد، وجمعه (أَبْسِطَة) و(بُسُط). ومعناه: ما يلإفرش للجلس وعليه من حصيرٍ وغيره. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول المُتَنَخِّل الهُذَليّ، يذكر ملاطفته لضيوفه: [سَأَبْدَؤُهُمْ بِمَشْمَعَةٍ، وَأَثْنِي/ بِجُهْدِي مِنْ طَعَامٍ أَوْ (بِسَاطِ)(22)] (حِياكة) مصدر، ومعناه: نَسْج. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول أبي نواس يصف صقرًا بدّل ريشه: [أَلْقَى زَابِرَه، وَأَخْلَقَ بِزَّةً/ كَانَتْ (حِيَاكَةَ) صَانِعٍ مُتَنَوِّقِ(23)] (يد الغمام) تعبير مجازيّ، واستعاريّ، وكناية عن المطر الذي أخصب التربة فاكتست بغطاء أخضر من العشب. (الغَمَام) ونقرأ شاهده اللغويّ في قول أبي قُردُودة الطائيّ: [وَإِنَّا نُجَدِّعُ أَنْفَ الْفَخَارِ/ إِذَا مَا الْقِسِيُ (غَمَمْنَ) الرِّوَاقَا(24)] (مختلفة الأجناس) (أَجْناس وجُنُوس) جمع، والمفرد (جِنْس)، أي: صِنْفُ. وكلُّ شيء له صِنْفُه الذي ينتمي إليه. ونقرأ شاهدها اللغويّ في قول عنترة: [أَصُولُ عَلَى أَبْنَاءِ (جِنْسِي)، وَأَرْتَقِي/ وَيُعْجِمُ فِيَّ الْقَائِلُونَ، وَأُعْرِبُ(25)] (فَسُبْحانَ الصَّانِعِ الحَكيمِ) مصدر، ومعناه: تنزيهه عن كل ما لا يليق به. ونقرأ شاهده في قول الحارث بن كعب المذحجيّ: [لِنَعْبُدُهُ، (سُبْحَانَهُ)، دُوْنَ غَيْرِهِ/ وَنَسْتَدْفِعُ الْبَلْوَى بِهِ وَالدَّوَاهِيَا(26)] (يَعْبُوب) هي (جَعْبُوب) عند من يستبدلون الجيم ياءً، وهي عربية فصيحة، وهي قبيلة من فخذ بني عيسى بن محاديتا، وتعود أصولها إلى قبيلة الحكلي. وتنحدر قبيلة جعبوب من محاديتا بن سلم بن سلم بن عمرو الحكلي. (حَرَمَ قَبيلَةِ يَعْبُوب) (الحرم) من الأمكنة ونحوها: الذي له عهدٌ ومَهابةٌ لايَحِلُّ انتهاكُها. ونقرأ شاهده اللغويّ في الحديث النبويّ الشريف: [المدينةُ حرامٌ من كذا إلى كذا، لا يُقطَعُ شجرُها، ولا يُحدَثُ فيها حدثٌ، من أحدث فيها حدثًا، أو آوى محدِثًا، فعليه لعنةُ اللهِ، والملائكةِ، والناسِ أجمعين، لا يَقبل اللهُ منه يومَ القيامةِ صرفًا، ولا عدلًا] (27) وزاد أحمد بن حنبل في مسنده: [المدينة حرمٌ ما بين عَيْر إلى ثَور]. (رقم الحديث:614). (قَبيلَةِ يَعْبُوب)، (يَعْبُوب) هي (جعبوب) اتباعًا للغة بني تميم، التي تسمّى (اليأيأة) حيث يستبدلون الجيم ياءً.

**************

المراجع والمصادر:

(01) صُبح الأعشى، أبو العباس القلقشندي (ت، 821هـ)، المطبعة الأميرية، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1922م، 1/211- 212

(02) التعازي (المراثي والمواعظ والوصايا)، أبو العباس المُبَرِّد(ت، 285هـ)، تحقيق محمد حسن الجمل، مراجعة: محمود سالم، نهضة مصر، القاهرة، د. ت، 259

(03) شعر طيء وأخبارها في الجاهلية والإسلام، جمع وتحقيق ودراسة: وفاء السنديوني، مطبعة دار العلوم، الرياض، ط1، 1983م ص: 425

(04) شعر قبيلة ذبيان في الجاهلية، جمع وتحقيق ودراسة: سلامة عبد الله السويدي، مطبعة جامعة قطر، الدوحة، 1987م، ص: 285

(05) الشعراء الجاهليون الأوائل، تحقيق: عادل الفريجات، دار المشرق، بيروت، ط2، 2008م، ص: 470

(06) أبو الطيب المتنبي وما له وما عليه، أبو منصور الثعالبي (ت: 429هـ)، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد المجلد، مكتبة الحسين التجارية، ص: 113

(07) شرح ديوان المتنبي للواحدي (ت ٤٦٨هـ) ص:364

(08) جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة، أحمد زكي صفوت، المكتبة العلمية، بيروت، ط1، 1933م، 1/143

(09) الراوي: علي بن أبي طالب، المُحَدِّث: شعيب الأرناؤوط، المصدر: تخريج المسند لشعيب ص أو رقم : 1007

(10) شعر قبيلة ذبيان في الجاهلية، جمع وتحقيق: سلامة عبدالله السويدي، جامعة قطر، الدوحة، 1987م، ص: 283

(11) ديوان حاتم بن عبد الله الطائي وأخباره، صنعة: مدرك بن يحيى الطائيّ، رواية هشام بن محمد الكلبيّ، تحقيق ودراسة: عادل سليمان جمال، مطبعة المدني، القاهرة، د. ت، ص: 206

(12) شعر الشنفريّ الأزديّ، تحقيق ودراسة: محمد أحمد عبيد، المجمع الثقافي، أبوظبي، 2000م، ص: 30

(13) تاريخ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ط2، 3/484

(14) كتاب العين، د. ت، 3/54

(15) ديوان بني بكر في الجاهلية، جمع وشرح وتوثيق: عبد العزيز نبويّ، دار الزهراء، القاهرة، ط1، 1989م، ص: 403

(16) شعر قبيلة ذُبيان في الجاهلية، جمع وتحقيق: سلامة عبد السويدي، مطبوعات جامعة قطر، الدوحة، 1987م، ص: 282

(17) ديوان الهذليين، تحقيق: أحمد الزين وآخرون، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، ط2، 1995م، 3/36

(18) كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، تحقيق: إحسان عباس وآخرون، دار صادر، بيروت، ط3، 2008م، 8/21

(19) ديوان بني بكر في الجاهلية، جمع وتوثيق: عبد العزيز نبوي، دار الزهراء، القاهرة، ط1، 1989م، ص: 330

(20) شعراء تغلب في الجاهلية وأخبارهم، صنعة: علي أبو زيد، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ط1، 2000م، 2/ 134

(21) ديوان الحارث بن عُباد البكريّ، جمع وتحقيق: أنس عبد الهادي أبو هلال، هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، أبوظبي، ط1، 2008م، ص: 150

(22) ديوان الهذليين، تحقيق: أحمد الزين وآخرين، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، ط2، 1995م، 2/22

(23) ديوان الحسن ابن هانيء (أبونواس)، تحقيق وضبط وشرح: أحمد عبد المجيد الغزالي، دار الكتاب العربي، بيرروت، د. ت، ص: 399

(24) منتهى الطلب من أشعار العرب، جمع ابن ميمون البغداديّ (ت، 597هـ)، تحقيق وشرح: محمد نبيل طريفيّ، دار صادر، بيروت، ط1، 1999م، 8/405

(25) ديوان عنترة، جمعه: الخطيب التبريزي (ت، 502هـ)، وضع هوامشه وفهارسه: مجيد طرّاد، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1992م، ص: 26

(26) شعراء مذحج أخبارهم وأشعارهم في الجاهلية، صنعة: مقبل التام عامر الأحمديّ، مجمع اللغة العربية السعيدة، صنعاء، ط2، 2014م، ص: 445

(27) الراوي: أنس بن مالك، المُحَدِّث: الألباني، المصدر: صحيح الجامع، صأو ارقم : 6685، أخرجه البخاري (1867)، ومسلم (1366) باختلاف يسير.

الأكثر قراءة

z