سلمى بنت سيف البطاشية
مع بداية حكم آل سعيد قبل 281 عامًا، بدأت صفحة جديدة في تاريخ عُمان؛ صفحة قامت على الوحدة والعدل والعمل من أجل نهضة الوطن. وقد اهتم سيدي الوالد الشيخ القاضي سيف بن حمود البطاشي-رحمه الله -بتوثيق هذه الحقبة التاريخية الغنية في كتابه "الطالع السعيد: نُبَذٌ من تاريخ الإمام أحمد بن سعيد"؛ باعتباره المؤسس الذي نهض بعُمان من محنة إلى دولة، ومن اضطراب إلى وحدة، ومن تشتت إلى نهضة راسخة شامخة إلى يومنا هذا.
وحين نقرأ هذا الكتاب ندرك فورا أنَّ هذا العمل لم يكن مجرد تجميع للمعلومات، بل مشروع بحثي متكامل الأركان، سلّط الضوء على مسيرة الإمام أحمد بن سعيد منذ بدايتها. فقد بدأ المؤلف بذكر مولد الإمام ونسبه العريق، ليتعرّف القارئ على جذور مؤسس هذه الدولة، ممهّدا لرحلة حياة زاخرة بالإنجازات.

ثم تناول- رحمه الله- علاقة المؤسس بالإمام سيف بن سلطان اليعربي، ثم تعيينه واليًا على صحار، وكيف استقرت الأمور للإمام سلطان بن مرشد، إلى أن توفي هذا الأخير أثناء حروبهما ضد الفرس سنة 1743م. وقد ناقش المؤلِّف الخلافات والقضايا التي شهدتها تلك الفترة، محللا أبعادها التاريخية، وكيف أثرت تلك الأحداث في المسار السياسي لعُمان الذي سبق تأسيس الدولة البوسعيدية، وكيف هيّأت الظروف لظهور قائد قادر على توحيد الصف وبناء دولة مستقرة.
وتوسع المؤلِّف في الحديث عن المعارك التي خاضها الإمام أحمد بن سعيد ضد النفوذ الفارسي في عُمان، موضحًا كيف واجه تلك التحديات بثبات وحكمة. كما تناول الصراعات الداخلية والأسباب التي أدت إلى تصاعد التوتر في تلك الفترة، ليتتبع بعد ذلك جهود الإمام في استعادة الاستقرار بفضل إصراره وحنكته، وإبراز قدرته على القيادة وإعادة الأمن وتثبيت أركان الدولة في أحلك الظروف.
ثم انتقل إلى ذكر الحملة التي قادها الإمام ضد الفرس في البصرة، موضحاً المعطيات السياسية والإقليمية التي دفعته للتدخل هناك. واستعرض المؤلف -رحمه الله -بتوازن أسباب هذا التحرك، وطبيعة الدور العُماني في تلك الساحة.
واستأنف المؤلف كتابه بتناول الحروب الداخلية التي شهدتها عُمان في تلك الحقبة، بوصفها مرحلة مفصلية أسهمت في تشكيل الوعي السياسي والاجتماعي للدولة الوليدة، وترميم ما يمكن ترميمه، وتقوية اللحمة الوطنية، وجمع الكلمة، وتعزيز الاستقرار في البلاد.
كما أضاف فصلًا عن سيرة محمد بن ناصر الغافري، وتناول فيه مسائل "جهاد أهل القبلة".
وأولى المؤلف -رحمه الله- اهتمامًا خاصًا بالقصائد التي نظمها الشعراء في مدح الإمام أحمد بن سعيد، مضيفًا إليها توثيقًا لمكاتبات الإمام وتبادله للرسائل مع الشخصيات البارزة في عصره، وهي رسائل تكشف عن جوانب قيادته الحكيمة، وأساليب تعامله مع القضايا.
وقد خصّ المؤلف فصلًا مستقلًا لذكر ولاة الإمام وقضاته في عُمان وخارجها (ممباسا)، موضحًا دورهم في إدارة شؤون الدولة داخليًا وخارجيًا.
وفي الفصلين الأخيرين من الكتاب، سلّط الضوء على أولاد الإمام ونسب آل سعيد، مُبينًا امتداد هذه الأسرة العريقة، وأثرها في بناء مؤسسات الدولة، واستمرار مسيرة الحكم العُماني عبر الأجيال.
