اقتصاد عُمان في المعادن والغاز

 

د. أحمد بن علي العمري

هذا هو المقال الرابع لي في ذات التوجه، لكنني لا أرى استجابة فعلية.. وقد كنت آثرت أن لا أكتب فيه مرة أخرى، ولكنني لما رأيت ضعف الاستجابة وعدم التقدم في المستقبل الاقتصادي لبلادي، قلت في نفسي: ماذا يمنع إن أضفت مقالًا آخر لعله يلقى هذه المرة الصدى المطلوب والاستجابة المأمولة. وأنا عندما أتكلم عن هذا الاتجاه، فإني- ويعلم الله- أتكلم عنه عن بيّنة وخبرة واطّلاع وممارسة عشتها شخصيًا.

لقد أضحى النفط لعبة سياسية عالمية، وكلٌّ فيها يغني على هواه ويغني على ليلاه. فالمخزون الأمريكي الذي يطلع أحيانًا وينخفض أحيانًا أخرى ما هو إلا إحدى قطع الشطرنج التي يلعب بها الأمريكيون بين الحين والآخر. وكذلك "أوبك" فهي منظمة مسيّسة حتى النخاع، وعلى الرغم من أن سلطنة عُمان ليست عضوًا فيها، إلا أنها تلتزم بقراراتها، وخاصة ما يخص تخفيض الإنتاج، من باب المثل والقيم والمبادئ التي اتخذتها السلطنة منهاجًا ودربًا لها، علمًا أن بعض الدول في منظمة أوبك لا تلتزم بالتخفيض؛ بل وتتمرد عليه أحيانًا كثيرة وتتحايل ما وجدت إلى ذلك سبيلًا. 

فما هو الحل بالنسبة لنا في عُمان؟ 

أعتقد بأن الحل، بل وأجزم، أنه يوجد في المعادن. وفي المعادن مستقبل عُمان الواعد والجدي والواضح والصريح بلا زيادة ولا نقصان ولا مبالغة ولا تجاوز. 

إن كل جبال عُمان الشاهقة معادن، وكل أوديتها فلزات، وحتى لو كسرنا هذه الجبال التي أعاقتنا تنمويًا وجعلتنا نصرف عليها عشرات الأضعاف، فقد أثبتت المقارنات أن شق طريق للجبل الأخضر كلف ثلاثة أضعاف طريق دبي- الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة. كذلك شق طريق المغسيل إلى ولايتي رخيوت وضلكوت كلف ما يعادل أربعة أضعاف طريق دبي- أبوظبي في ذات الدولة الشقيقة العزيزة. هذه الجبال، لو حولناها إلى "جرجارة" أو رمل وصدّرناها للدول المجاورة ودول الشرق الأوسط، وعندنا الموانئ والإمكانيات، فلدينا ميناء صحار في الشمال، وميناء الدقم في الوسط، وميناء صلالة في الجنوب، وكل هذه الموانئ لديها كل الإمكانيات والتجهيزات والقدرة المتمكنة. لو صدّرنا "الجرجارة" فقط لكسبنا أضعافًا مضاعفة وأكثر بكثير من النفط، فما بالكم إذا أخذنا منها المعادن وما تبقى صدّرناه كجرجارة، فأكيد العائد سوف يزيد والربح حتمًا سيتضاعف، وهذا مؤكد وشيء حتمي بلا نزاع ولا جدال.

فلماذا لا نتجه هذا التوجه ولدينا الباحثون الكثر والأكاديميون المتميزون في الجامعات الذين يقدرون على التحليل وإيجاد الجدوى الاقتصادية المؤكدة؟ 

أم أننا ننتظر الدول المجاورة حتى تبدأ لنقلدها؟ ولكن ليس لدى الدول المجاورة ما لدينا من كنوز وهبها لنا رب العالمين. لقد كنا فيما مضى نحرق الغاز في الهواء حتى ظهرت دولة قطر الشقيقة وأجرت الدراسات وحولت الغاز إلى ثروة، فاتبعنا خطاها، وها نحن اليوم نمضي في خطى إنتاج الغاز الصحيحة. 

فلماذا نتبع خطى الآخرين؟ ولماذا لا نشق خطانا بأنفسنا وقد وهبنا رب العالمين أرضًا مباركة منتجة وكنوزًا مكنونة؟ 

لقد أعجبني مشروع الشويمية وبناء ميناء خاص للتصدير منه، ففي الشويمية يوجد أفضل أنواع الجبس وبأعلى نقاوة، وعُمان الآن هي الأعلى عالميًا في إنتاج الجبس، على الرغم من أن الكميات المنتجة لديها ما زالت خجولة وأقل بكثير مما لديها، وما خفي أعظم. 

ومن ناحية أخرى، إن الغاز العُماني واعد جدًا وبكميات عالية. 

إنني- والحال ما زال محلك سر وأمام هذا التردد، ولا أريد أن أقول العزوف ولكنه خمول واتكالية- أقترح لو كان هناك من يسمع نداء تشكيل مجلس أعلى للمعادن والغاز، وعلى قدر عالٍ من المسؤولية، فلعل هذا المجلس المهم أن يحرك المياه الراكدة، وأن يخطو خطى واثقة وجادة في الاتجاه الصحيح، ويحقق الهدف والمبتغى، ونعيش جميعًا في رفاهية ورغد من العيش بإذن رب العالمين.

فلنتشجع ونطوي صفحة النفط ونركز على المعادن والغاز؛ فالخير قادم والبشائر سوف تنهال بإذن رب العالمين. والعيش السعيد لعُمان وشعبها، والدوام والعزة لجلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه. 

حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها.

 

الأكثر قراءة

z