غزة على صفيح الظلم والحصار

 

 

خالد بن أحمد الأغبري

 

لا يخفى على كل عاقل لبيب أن يدرك مدى أهمية مجريات الأحداث المتسارعة وتأثيراتها البالغة على مستوى الفرد والجماعة وتطوراتها المتجددة وما يجري على الساحة الفلسطينية من قتل ودمار وتجاوزات وانتهاكات صارخة، وما ينتج عنها من أضرار جسيمة في مختلف المجالات والمحاور والقضايا الساخنة في كافة مساراتها.

ويتضح ذلك في حالة اليأس التي وصلت إليها الشعوب الاسلامية والعربية على حدٍ سواء وما يحاك ضدها في إطار الخطط السياسية والبرامج الاقتصادية والاجتماعية التي تفضي إلى تكتلات مُتكاملة في أدوارها ومتناسقة في مضامينها؛ سعيًا من أجل طمس الهوية الإسلامية العربية وخلق أجواء فوضوية تُديرها عقلية مناهضة لأحكام شريعة الخالق جلت قدرته، المتمثلة في قيام بعض التيارات الضالة التي تعمل على تشويه معتقدات العالم الإسلامي واختراق سلوكياته وسمعته وهدم أخلاقياته؛ مما يجعله لصيقًا بأهداف أعدائه وراعيًا لمصالح أولئك الأعداء الذين يبذلون جهودهم الحثيثة من أجل تقييد حرية شعوب هذه الأمة والإطاحة بهويتهم وتهميش دورهم وإلحاق الضرر بهم. وتتزعم ذلك الصهيونية الحاقدة والدعم الأمريكي الأوروبي الذي يتسم بالمكر والخداع والمراوغة وخلق بؤر الفتنة وتسويقها على نحو يجتاز كل المبادئ الإنسانية والقيم الأخلاقية والدينية.

ونتيجة لما يعيشه العالم خلال هذه الفترة الزمنية الصعبة بعد تجربة مريرة قضاها في مواجهة الحرب المدمرة والفشل الذريع الذي يقود المنطقة برمتها إلى تناقضات وسلوكيات وتداعيات تلقي بضلالها عبر طريق العودة العكسية والانتكاسة الأمنية الخطيرة التي تتمثل في فك الارتباط وإفشال الاتفاق الذي تم إبرامه بين الفلسطينيين من جهة وبين إسرائيل من جهة أخرى، وذلك بعد ما تم الإفراج عن الأسرى الذين كانوا في حوزة حماس والفصائل الفلسطينية، وهو ما كان يشغل بال نتنياهو وعصابته ويزعجهم نتيجة غضب الشارع الإسرائيلي  ومطالبته بسرعة الإفراج عنهم وتسوية النزاع القائم بين الطرفين، إضافة إلى تحرك شعوب العالم المتحضر الذي يقف في وجه الممارسات الإسرائيلية التعسفية التي تمكنت من تضييق الخناق وإغلاق المعابر وتشديد القيود على الشعب الفلسطيني ومنع دخول مواد الإعاشة والمواد الطبية وقطع كل ما من شأنه خدمة أهالي القطاع من المواد العينية والمادية والمعنوية التي يحتاجها المحاصرون حتى لا تقوم لهم قائمة.

وذلك يثقل كاهلهم ويكلفهم جملة من التضحيات الجسيمة والمعاناة الشديدة كل ذلك كان على حساب الفلسطينيين الذين تكالبت عليهم القوى الظالمة وحرموا من جميع حقوقهم المشروعة بالإضافة إلى سفك دمائهم وتدمير ممتلكاتهم وانتهاك حقوقهم وأعراضهم.

كما إنهم تعرضوا لكافة أنواع الجرائم البشعة بما في ذلك من قتل الأطفال والنساء وكبار السن، وها هي حرب الإبادة تعود مجددًا لمواصلة الانتهاكات البربرية والعنجهية الصهيونية لإبادة الشعب الفلسطيني وتهجيره من وطنه والقضاء على حقوقه  ومصالحه لتحقيق الحلم الإسرائيلي بإقامة دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، في خضم الأحداث المتتالية والأزمات المتأصلة والعنصرية القاسية ذات الأبعاد الفاشية المقيتة التي تهيمن على المفاصل الحياتية، وتجعل معطيات الحياة فاقدة دورها الاستراتيجي الذي يفترض أن ينظم أخلاقيات الإنسان وتمكينه من التعاطي مع الأحداث والأزمات الاجتماعية والقومية، بحيث تتم إدارتها بنظرة علمية عادلة وعقلانية واعية وبرامج ديمقراطية سليمة فاعلة.

وبالنظر إلى الخروقات الأمنية والسياسية التي تواجه الشعب الفلسطيني من قبل الكيان الصهيوني وتداعياتها، أصبح من المستحيل أن تكون هناك حلول حقيقية وجذرية لهذه القضية المتوغلة في أعماق التاريخ العربي.

والفساد العميق والممارسات الدكتاتوريّة القهريّة التي تعاني منها الأمة من خلال تلكم الاضطرابات النفسية والسلبية التي يحدثها هذا الفساد في مختلف جوانب الحياة ومنظومتها، هو ذاته الذي يقف حائلًا أمام تقدم المجتمعات ويشكل صورةً من الصور التي تعبر عن انفصام شخصية الإنسان المتغطرس، وضعف في إيمانه وخلل في الرقابة الذاتية، وهو ما يُعد انتكاسة في سلوك المرء وانكماشًا في حيائه وشللًا في تفكيره وتوترًا في الشعور بالمسؤولية وصراعًا دائمًا مع المبادئ الحسنة والقيم الأخلاقية الفاضلة. ويعد كذلك من أشكال الممارسات العدوانية التي تخترق مسارات الفطرة السليمة وتحط من قدرها وتَحطم مبادئها الكريمة، كما أنها تشكل انحرافًا مأساويًا يدق ناقوس الخطر في جميع الجبهات، وهذا بلا شك يُحدث انقلابًا فكريًا وعقائديًا في نفس المرء وسلوكه ويخرجها من دائرة الفضيلة إلى بؤرة الفساد ومن طريق الاستقامة إلى ظلمات الجهل والظلال.

وقد أصبح الإنسان من خلال ذلك يفقد المعايير الصحيحة ويخوض مع الخائضين في أمور تخالف المبادئ الأخلاقية ويسيء من خلالها إلى نفسه أكثر مما يُسيء إلى الآخرين، ويعيش في صراع دائم مع متغيرات الحياة؛ بما فيها من تجاوزات وإخفاقات تثير المخاوف وتصطدم بمعايير الحياة في مختلف جوانبها الإيجابية.

لقد أصبحت معاناة الدول العربية والإسلامية معاناة إنسانية كبيرة وسياسية واقتصادية عميقة جعلت هذه الدول تعيش في حالة من الفوضى والتوتر وعدم الاستقرار نتيجة العنجهية التي فرضتها عليها الظروف الأمنية المحيطة بالمنطقة من ناحية، ومتغيرات مواقف الأمة الإسلامية وتباعدها عن بعضها البعض في الأفكار والرؤى السياسية والاجتماعية من ناحية أخرى.

وهذا التفرق والتشرذم المأساوي الذي غدا حديث الساعة قد أصبح يخلق الكثير من التحديات والأزمات التي يستغلها البعض ليجد من خلالها فرصة سانحة لخلخلة المواقف العربية الإسلامية التي تدعم قضايا الأمة من أجل تصحيح مساراتها ووحدة صفها وإبراز دورها والقيام بواجباتها ومسؤولياتها على نحو أفضل وصورة أشمل وتكاملية إستراتيجية فاعلة، إلّا أن هذه المعاناة المتجددة التي أوجدت هذه الأحداث والأزمات المتفاقمة إلى حد كبير لم تكن سهلة في معالجة أوضاعها من خلال تلك النظرة الإنسانية الحكيمة، بقدر ما تشكله من إخفاقات وعوامل مستعصية قد تكون سببًا في تحفيز  الطرف الآخر للقيام بدور أكثر إجرامًا وعنجهية وهمجية لتحقيق آماله وتطلعاته وأحلامه وطموحاته بالقوة المفرطة.

ومنذ السابع من أكتوبر 2023، ترتكب قوات الاحتلال، إبادة جماعية في قطاع غزة والتي اشتملت على القتل والتجويع  والتدمير والتهجير، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها. وقد خلّفت هذه الإبادة أعداداً هائلة من الشهداء والمصابين والمنكوبين والمفقودين والمطمورين تحت الأنقاض وأغلبهم من الأطفال والنساء وكبار السن وهي أعداد قابلة الارتفاع.

نسأل الله العافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، كما نسأله النصر المبين لعباده المستضعفين إنه ولي كريم.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة