لقاء القادة الحكماء

 

 

محمد بن رامس الرواس

تاريخ العلاقات العُمانية- التركية يُكتب اليوم بمدادٍ جديد عنوانه الحكمة والاعتدال وفق رؤية مُشتركة طموحة، إذ إنَّ حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- وفخامة رجب طيب أردوغان رئيس الجمهورية التركية، قائدان يؤمنان بأن المستقبل يُصنع بالسلام لا بالصدام، بالعقل لا بالانفعال، بالحوار لا بالقتال.

من مسقط إلى أنقرة، تمتد جسورٌ من الثقة والرؤية المشتركة التي تُعبِّر عن ائتلاف يؤمن بأنّ التوازن هو أرقى أشكال القوة، وأنّ دبلوماسية الحكمة هي الطريق الأقصر نحو سلامٍ يدوم وازدهارٍ يشمل الجميع.

إنَّ علاقات سلطنة عُمان والجمهورية التركية ليست وليدة اللحظة؛ فالتاريخ سجل تواصلًا قديمًا بين العُمانيين والعثمانيين عبر طرق التجارة البحرية في المحيط الهندي والبحر الأحمر، وهذه الروابط التاريخية منحت العلاقة الحالية عمقا حضاريا وثقافيا واقتصاديا، تسنده ذاكرة تاريخية مشتركة قوامها الإيمان بالتسامح والانفتاح وحسن المعاملة.

ومنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية عام 1973، مضت الشراكة في تصاعد مستمر حتى بلغت في عهد السلطان هيثم مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي، ولقد جاءت زيارته الرسمية إلى أنقرة لتؤكد أنَّ البلدين لا يجمعهما الماضي فقط؛ بل يجمعهما أيضًا طموح المستقبل، حيث وُقعت اتفاقيات تعزز الاستثمار والتبادل التجاري والتعاون في مجالات الطاقة واللوجستيات والتعليم.

ومنذ تولي جلالة السلطان مقاليد الحكم عام 2020، حرص جلالته على ترسيخ السياسة العُمانية الراسخة الجذور والقائمة على الحياد الإيجابي، والوساطة العاقلة، ومدّ الجسور بين الفرقاء، وفي المقابل يتبنّى الرئيس أردوغان سياسة خارجية تسعى إلى تحقيق التوازن بين المصالح الوطنية والتضامن الإنساني، خاصةً في القضايا العربية والإسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

هذا الالتقاء في الرؤية يجعل من العلاقات العُمانية- التركية أنموذجًا مميزًا في المنطقة، فكلا القائدين يدرك أن بناء النفوذ الحقيقي لا يكون عبر الصراع؛ بل عبر القدرة على جمع المختلفين على طاولة الحوار، وصياغة لغة مشتركة تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون.

إن ما يجمع جلالة السلطان والرئيس أردوغان ليس فقط المصالح المشتركة؛ بل فلسفة متقاربة في إدارة الأزمات، فهما يؤمنان بأن الاعتدال لا يعني الضعف، وإنما هو أعلى درجات القوة؛ لأنه يقوم على الثقة بالنفس والقدرة على التوازن بين المبادئ والمصالح.

وسلطنة عُمان أنموذج في الوساطة الهادئة، تساهم في تقريب وجهات النظر الإقليمية وتعمل على تخفيف التوترات في المنطقة، وفي المقابل، تمارس تركيا دبلوماسية فعّالة ذات أفق إنساني، تُوازِن بين دورها الإقليمي والتزاماتها تجاه العالم الإسلامي.

اللافت في العلاقة بين مسقط وأنقرة أنها لم تقف عند الملفات السياسية؛ بل امتدت إلى الثقافة والتعليم والسياحة والاستثمار؛ فالشركات التركية تُسهم في مشاريع البنية الأساسية في السلطنة، في حين تمثل عُمان بوابة لتركيا إلى أسواق الخليج والمحيط الهندي. كما تتقاطع الرؤى في دعم الحوار بين الأديان والثقافات، ومساندة الجهود الدولية لحفظ السلام.

الأكثر قراءة