سالم بن نجيم البادي
ضَحِي حاول ذلك، وقد قيل له: احجز موعدًا عبر موقع الوزارة الإلكتروني في الرابط المخصص لذلك، وبالفعل قام بالحجز، لكن مضت مدة طويلة جدًا دون أن يحصل على الموعد.
وحين طال انتظاره، عقد العزم على الذهاب إلى مقر الوزارة بعد أن جهّز رسالته والوثائق المطلوبة. ورغم بُعد المسافة بين مكان سكن ضَحِي ومقر الوزارة، انطلق- كعادته- عند الساعة الثالثة والنصف بعد منتصف الليل، إذ كان يخشى الزحمة الخانقة، ولا يجيد قيادة سيارته في شوارع المدينة؛ فهو الغريب القادم من الجبال الموغلة في البعد والعزلة.
وحين وصل إلى الوزارة وهو يحمل أوراقه في يده، توجّه مباشرة إلى الاستقبال، حيث كانت هناك فتاة وقورة تجلس خلف زجاج سميك.
قال لها: «أريد مكتب الوزير».
فأجابته: «اذهب إلى خدمة المراجعين».
ذهب مسرعًا، وحين وصل أعطوه ورقة كُتب فيها رقم (68)، وطلبوا منه الانتظار في ردهة طويلة بها مكاتب كثيرة، تسعةٌ منها خاوية لا يوجد فيها موظف، فيما تواجد موظفون في المكاتب الأخرى.
جلس ضَحِي ينتظر حتى جاء دوره بعد طول انتظار، فأخبره الموظف بأنَّ المُعاملة التي جاء من أجلها قد توقفت ولم تعد متاحة.
ضَحِي كَبُر عليه أن يعود صفر اليدين بعد هذا الانتظار الطويل والمسافة الشاقة التي قطعها، فأخذ يُلحّ على الموظف أن يسمح له بالوصول إلى مكتب الوزير، لكنه رفض وأمره بالعودة إلى خدمة المراجعين.
عاد ضَحِي إلى خدمة المراجعين، وهناك بدأ كل موظف يُحيله إلى آخر، حتى وصل إلى المدير.
المدير اقترح عليه الذهاب إلى موظف ذكر له اسمه، وقال له إنه الشخص الذي يمكنه التواصل مع مكتب الوزير، لكن ذلك الموظف لم يكن موجودًا.
رجع ضَحِي إلى المدير وسأله عن ذلك الموظف وعن المكاتب التسعة الخالية؛ فأجابه بأنَّ بعضهم في إجازة، والبعض الآخر ذهب لتناول طعام الإفطار.
ثم اتصل المدير بمكتب الوزير وأخبروه بأن على ضَحِي التوجه إلى الاستقبال والانتظار حتى يتم الاتصال به من مكتب الوزير.
وحين همَّ بالخروج من مكتب المدير، حاول فتح الباب بالطريقة التقليدية، ولم يستطع، لأن الباب يُفتح بالضغط على زر بدلاً من مقبض الباب!
تضاعف شعور ضَحِي عندها بأنه داخل مكان غريب ومحصَّن، تكتنفه الأسرار والغموض.
ذهب ضَحِي إلى الاستقبال معتقدًا أن موظفًا من مكتب الوزير سينزل لمقابلته، لكن خاب ظنه حين اتصلوا به من المكتب، فظنّ أن الموظف سيقول له: «تفضل، ننتظرك في مكتب الوزير»، غير أن الموظف أقنعه بأنه لا جدوى من حضوره.
قال ضَحِي، وقد تملكه اليأس: «أنا فقط أريد أن أرى مكتب الوزير، وأترك رسالتي فيه. أعلم أن مقابلة الوزير تحتاج إلى موعد، لكن هذه الوزارة خدمية، وكان من المفترض أن تكون أبوابها مُشرَّعة أمام الجمهور».
ثم ذهب إلى وزارة أخرى، فوجد ذات الروتين والإجراءات.
هذه المرة كان رقمه (124)، في قاعة تضج بالمراجعين، قدّر عددهم بأكثر من مئتي مراجع.
خرج ضَحِي يجرّ أذيال الخيبة، متمنيًا لو أن الوزراء خصصوا يومين في الأسبوع لمقابلة الجمهور، مع تنظيم الوقت لكل مراجع، ولو أنهم خصصوا أسبوعًا في الشهر للذهاب إلى المحافظات للقاء الناس دون حواجز، ولو أنهم أكثروا من النزول إلى الميدان دون بهرجة أو بروتوكولات.
وتساءل في نفسه: هل ما زال لدينا بقية من الروتين والبيروقراطية والتعقيدات الإدارية؟
وقال ضَحِي، بصوت متهدج: «أنا كنت فقط باغي أشوف مكتب الوزير وأترك فيه طلبي، لكن حتى هذا كان حلمًا صعب المنال».