غزة.. وعامان من الإبادة ونكبة العصر

 

سالم البادي (أبو معن)

أكتب هذا المقال، آملًا أن يكون بمثابة تذكير دائم بأهمية السعي نحو العدالة والرحمة، وأن نتمسك بالأمل في غدٍ أفضل لغزة وأهلها.

في أعماق الذاكرة، لذكرى شعب لا يغيب كالغروب، وإن غاب سرعان ما يعود، ليبقى شعب واحد كنبض واحد، كالجبل لا تحركه العواصف ولا تزيحه العواصف، تتردد أصداء الحرب، وتتراقص صورها في مخيلة الأطفال الذين لم يعيشوا براءة الأطفال؛ بل وُلدوا ليكونوا رجالًا شجعان.

بعد مرور عامين على هذه الحرب الصهيونية الشعواء الوحشية، لا تزال غزة الجريحة تنزف جراحًا وألمًا ودمًا، تواجه تحديات جمّة في سبيل الصمود والرباط والثبات، معتمدة على قوة إيمان وإرادة وعزيمة أبنائها الأوفياء ومجاهديها الأنقياء.

هذه الذكرى بمثابة وقفة تأملية، نستعرض فيها حجم المأساة الإنسانية التي خلفتها آلة الحرب الصهيوأمريكية الغربية، ونتذكر بطولات الشهداء، ونتألم لمعاناة الجرحى والمرضى، ونستشعر مرارة فقدان الأحبة ممن سبقونا إلى جنات الخلد، إلى دار البقاء.

كما أنها فرصة لتقييم الجهود المبذولة لإيقاف المجازر اليومية والإبادة الجماعية، وتسليط الضوء على العقبات التي تعترض طريق وقف الحرب وتحقيق السلام والأمن.

بعد مرور عامين على أحداث السابع من أكتوبر لعام 2023، تظل غزة تشهد صراعًا مستمرًا بين الألم والأمل، فمن ناحية، نرى آثار الدمار واضحة في كل زاوية وكل شبر من أرض غزة، من المنازل المدمرة إلى البنية التحتية المتهالكة، إلى الأراضي الممسوحة مسحًا والمجروفة جرفًا والمحروقة حرقًا؛ حيث إن العدو الصهيوني الهمجي لم يُبقِ على أرض صالحة للزراعة ولا للسكن، دمار شامل بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حرب لم تُبقِ ولم تذر.

ويعاني سكان غزة من انعدام في الخدمات الأساسية، مثل الغذاء والدواء والكهرباء والمياه النظيفة، مما يزيد من معاناتهم اليومية، إضافة إلى ذلك، يعاني العديد من السكان من صدمات نفسية نتيجة للحرب، مما يتطلب دعمًا صحيًا نفسيًا واجتماعيًا مكثفًا.

ويظهر الأمل في صمود الشعب الفلسطيني، وإصرارهم على الحياة، ونرى جهودًا حثيثة لإيقاف الحرب، على الرغم من الصعوبات التي يختلقها ويفتعلها العدو المحتل باستمرار.

وتبرز مبادرات مجتمعية تعزز التماسك الاجتماعي، وتوفر الدعم للمحتاجين، كما أن هناك أصواتًا تنادي بالسلام والعدالة، وتطالب بإنهاء الحصار، ووقف المجازر ووقف المجاعة وتحقيق حقوق الشعب الفلسطيني.

وبعد مرور عامين على طوفان الأقصى، لا يزال قطاع غزة يعاني من آثار الحرب، فقد أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن نسبة الدمار في القطاع الفلسطيني بلغت نحو 90% بعد عامين على الحرب التي يشنها الاحتلال الصهيوني، واصفًا ما حدث بأنه "إبادة جماعية مستمرة" تستهدف البشر والحجر.

وحسب الإحصائية الصادرة عن المكتب بمناسبة مرور عامين على الحرب، فقد دُمّر أو تعطّل 38 مستشفى في أنحاء القطاع، وسيطر جيش الاحتلال على نحو 80% من مساحة القطاع عبر الاجتياح والتهجير والقصف المتواصل.

وبحسب الأرقام التي أعلنها المكتب، فقد ألقى جيش الاحتلال أكثر من 200 ألف طن من المتفجرات على غزة منذ بدء الحرب، وقد تضررت 95% من مدارس القطاع بشكل جزئي أو كلي نتيجة القصف.

وأشار التقرير إلى أن عدد الشهداء والمفقودين بلغ 76693 شخصًا، بينهم 9500 مفقود لا يزال مصيرهم مجهولًا، ويبلغ عدد المصابين 169538 شخصًا، من بينهم 4800 حالة بتر أعضاء و1200 حالة شلل.

وتفيد التقارير الفلسطينية بأن 2700 أسرة أُبيدت بالكامل ومسحت من السجل المدني، في حين سُجّل أكثر من 12 ألف حالة إجهاض بسبب نقص الغذاء والرعاية الصحية.

وأشار التقرير كذلك إلى استشهاد 460 شخصًا بسبب حالات الجوع وسوء التغذية في ظل استمرار الحصار ونقص الإمدادات الإنسانية.

هذه الأرقام "تعكس حجم الكارثة الإنسانية غير المسبوقة" التي يعيشها سكان القطاع، داعيًا المجتمع الدولي إلى "تحمّل مسؤولياته ووقف الإبادة المستمرة بحق الشعب الفلسطيني".

بشكل عام، خلفت حرب غزة آثارًا مدمرة على جميع الأصعدة، ولا يزال القطاع يعاني من تداعياتها حتى اللحظة.

ويصادف ذكرى السابع من أكتوبر، انعقاد المفاوضات غير المباشرة الجارية في مدين شرم الشيخ في مصر، بين حركة المقاومة الإسلامية حماس والكيان الصهيوني؛ بهدف التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب في قطاع غزة، على ضوء خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

لقد شكّل طوفان الأقصى نقطة تحول كبرى في المنطقة، وأعاد ملف القضية الفلسطينية إلى الواجهة من جديد بعدما كان سيصبح في خبر كان.

وأحداث الطوفان الغزي أدخلت الكيان الصهيوني في دوامة من الأزمات الداخلية والعزلة الدولية غير المسبوقة منذ قيامها.

ونجحت فصائل المقاومة الفلسطينية، رغم الكلفة الإنسانية الباهظة والدمار، في إحياء القضية وكسر جدار التجاهل الدولي للحقوق الفلسطينية، وإعادة طرحها باعتبارها قضية تحرر وحقوق شعب تحت الاحتلال.

كذلك من نتائج هذه المعركة أن المساءلة الدولية لحكومة الكيان الصهيوني أخذت تتسع أكثر وأكثر، ومن أبرز ما أفرزته تداعيات الحرب هو اتساع نطاق التحقيقات والملاحقات القانونية الدولية بحق رئيس وزراء الكيان وأركان حربه وبعض وزرائه لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية "جرائم حرب".

وتؤكد التقارير الاقتصادية أن اقتصاد الكيان الصهيوني تكبّد خسائر تفوق ربع تريليون شيكل خلال عامين، نتيجة العمليات العسكرية المستمرة وتراجع النشاط التجاري والسياحي. كما شهدت عملة الشيكل تراجعًا حادًا، وارتفعت معدلات التضخم والبطالة إلى مستويات غير مسبوقة.

ودفعت حرب الإبادة غير المسبوقة ضد قطاع غزة دول إيرلندا وإسبانيا والنرويج رسميًا للاعتراف بدولة فلسطين، في حين أبدت دول أخرى مثل سلوفينيا ومالطا اعتزامها اتخاذ خطوة مماثلة، وهو ما اعتُبر ثغرة في جدار الصد الأوروبي للحقوق الفلسطينية، ولو بحدها الأدنى.

واعتبارًا من سبتمبر 2025، اعتُرف بدولة فلسطين كدولة ذات سيادة من قبل 157 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة، أو ما يزيد قليلًا عن 81% من جميع أعضاء الأمم المتحدة. وقد كانت دولة مراقبة غير عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ نوفمبر 2012.

الأكثر قراءة