حكاية اسمها صوت الضمير

 

 

محمد بن رامس الرواس

تجمعت سفن من كل حدب وصوب أصحابها من أعراق شتى وجنسيات مختلفة وارتادوا البحر، تجمعت السفن بالموانئ وتزودت بالغذاء وتسلحت بالإيمان وبروح الضمير الإنساني الحر، كان البحر هادئًا كأنه صفحة زرقاء تحتاج من يكتب عليها معاناة أهل غزة وحكاية صمودهم.

تحركت السفن وتجمعت لهذه المهمة الإنسانية التي ترمز إلى استنهاض الضمير الإنساني لكي يحيا ويفيق من غفوته في ظل حرب إبادة وحصار وتجويع يشهده العالم بأسوأ معانيه وأشد مآسيه الدامية، كانت هذه السفن ترمز إلى ضمائر تريد أن تدون للتاريخ صحوة ضمائر الأحرار من العديد من مختلف دول العالم .

مخرت السفن عباب البحر نحو غزة فهي الهدف والأمل المنشود لكسر الحصار، كانت السفن الكبيرة والصغيرة بشتى أشكالها وأنواعها وألوانها تقطع طريقها في موكبٍ مهيبٍ تشبه ركابها الذين اختلفت أعمارهم وألوانها ومذاهبهم وأشكالهم كانت السفن وركابها كمثل الطيور المهاجرة التي تحمل فوق أجنحتها زاد الرحمة إلى أرضٍ عطشى من الماء والغذاء والكساء لأرض اكتست بالجوع والألم، كان على ظهر هذه السفن رجال ونساء على ما يزيد عن أربعٍ وأربعين سفينة على ظهرها ٥٠٠ فرد اجتمعوا بغير معرفة سابقة، جمعتهم كلمةٌ واحدة نصرة أهل غزة واستنهاض الضمير العالمي لما يحدث بها من مأساة كبرى.

في مقدمة السفن كانت السفينة "مادلين" شامخة كالطود في المقدمة، بينما الموج يردد أسماء بقية السفن بلحنٍ أصوات أغاني البحر وأهازيجه بكل فخر واعتزاز، تتابعت السفن المتوسطة والصغيرة كنجوم وأقمار في ليل بهيم يرمز لمعاناة أهل غزة ونوم الضمير العالمي في ذات الوقت، كان على متن هذه السفن الشيوخ والشباب، الأطباء والبرلمانيون والصحفيون والسياسيون والمحامون كلهم جاؤوا يحملون زادًا من الخبز والدواء، وأحلامًا من العدل والحرية.

لكن ما إن اقتربت السفن من شاطئ غزة، حتى انقلب البحر مسرحاً للرهبة، وظهرت الطائرات الإسرائيلية وخرجت الزوارق الحديدية كأنها وحوش في الليل، أحاطت بسفن الأسطول كما تحيط الظلمة بالنور، هتف من على السفن "نحن رسل الضمير، لا نحمل سلاحاً لا نحمل إلا الرحمة "، لكن الصوت غرق في أزيز المحركات وصخب الاعتقالات.

سقطت سفينة تلو أخرى في قبضة قوات الاحتلال الإسرائيلي، حتى لم يبقَ إلا سفينة صغيرة تُدعى "مارينيت"، كانت آخر الشهود على ملحمة الضمير العالمي لقد حاولت أن تشق طريقها إلى غزة، لكن القبضة الحديدية الإسرائيلية أمسكت بها على بعد أميالٍ من الشاطئ، فسُلبت منها حلمها كما سلبت من كافة سفن الأسطول حلمه بالوصول لشاطئ غزة؛ حيث كان ينتظرهم أطفال غزة على أحر من الجمر، وأُخذوا ركاب السفن إلى سجون الغاصبين.

لكن الحكاية لم تنتهِ هنا؛ لأنَّ الحرية لا تُسجن ولا تُحجز، وضمائر الشعوب الحرة لا يُمكن إرهابها، وهكذا، لم يكن "أسطول الضمير العالمي" مجرد رحلة بحرية انتهت عند شاطئ قيده الاحتلال بل كانت حكاية إنسانية كتبت بمداد التضحية، ورفعت رايةً تقول: إن القلوب إذا اجتمعت على الحق لابد أن تنتصر عاجلا أو آجلاً وإن اعترضته طواغيت البشرية.

الأكثر قراءة