وثائق الاستسلام بين واشنطن وتل أبيب.. ولماذا ترفضها حماس؟

 

محمد بن زاهر العبري

في خضم الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، يطلّ بين الحين والآخر ما يسمى بـ”المبادرات السياسية” التي تُكتب في مكاتب مغلقة خارج فلسطين، وتُعلن على لسان عواصم كبرى كتل أبيب وواشنطن، ثم تُسوّق باعتبارها فرصاً للسلام أو حلولاً للأزمة. إلا أن القراءة الموضوعية لهذه المبادرات تكشف أنها لا تحمل مشروعاً حقيقياً للحل، بل أقرب ما تكون إلى وثائق استسلام تهدف إلى تصفية المشروع الوطني الفلسطيني، وإلغاء حقوق الشعب التاريخية.

 طبيعة المبادرة ومصادرها

أي مبادرة تخرج من تل أبيب وتُعلن في واشنطن لا يمكن أن تُفهم إلا في إطار موازين القوى والسياسات الدولية التي تنحاز بشكل شبه مطلق لإسرائيل. فهي مبادرات لا تُبنى على الاعتراف بالحقوق المشروعة للفلسطينيين، وإنما على منطق الإملاء: أن تقبل بما يُفرض عليك مقابل وعود فضفاضة بالأمن أو إعادة الإعمار.

 موقف حماس وخلفيته

حماس، منذ انطلاقتها، قدّمت نفسها باعتبارها حركة مقاومة قبل أن تكون لاعباً سياسياً. وعليه، فإن أي مبادرة لا تعالج جذور القضية: الأرض، القدس، حق العودة، وإنهاء الاحتلال، ستُعتبر بطبيعة الحال محاولة لتطويعها وإفراغ مشروعها من مضمونه. الحركة التي قدّمت آلاف الشهداء والأسرى والجرحى لا تستطيع ـ سياسياً وأخلاقياً ـ أن توقع على وثيقة تساوي بين الضحية والجلاد.

 البعد الوطني

القبول بمثل هذه المبادرات ليس مجرد خطوة تكتيكية، بل قرار استراتيجي يمس جوهر المشروع الفلسطيني. هنا يبرز التساؤل: هل من قدّم التضحيات الجسام منذ 7 أكتوبر وما قبله، يمكن أن يسمح بتلطيخ تاريخه السياسي والعسكري بقبول مبادرة تُكتب خارج السياق الوطني؟ الجواب الأقرب إلى الواقع: لا. لأن القبول سيكون بمثابة انتحار سياسي وتاريخي لأي طرف يوقّع عليها.

البعد الدولي

المبادرات التي تُسوّق كحلول، غالباً ما تهدف إلى تحسين صورة الاحتلال دولياً، وإلقاء اللوم على الفلسطينيين إذا رفضوا. لكن هذا الرفض بحد ذاته رسالة قوية: أن الشعب الفلسطيني ليس عاجزاً عن قول “لا”، وأنه لا يمكن القفز على حقوقه الثابتة بالضغط أو بالترغيب.

الطريق البديل

ما يحتاجه الفلسطينيون ليس مزيداً من الوثائق الجاهزة من الخارج، بل صياغة مبادرة داخلية فلسطينية، تنطلق من المصلحة الوطنية، وتُبنى على قاعدة الوحدة بين الفصائل. فالمصالحة الفلسطينية الداخلية هي وحدها التي تُحصّن القرار السياسي وتجعله عصياً على الابتزاز.

القضية الفلسطينية، كما أثبتت العقود الماضية، ليست قابلة للتصفية بورقة أو اتفاق هش. كل محاولة لتجاوز إرادة الشعب الفلسطيني محكومة بالفشل، لأن ما صُنع بالتضحيات والدماء لا يُمحى بقرار سياسي عابر. حماس، وبقية قوى المقاومة، تدرك أن أي تنازل يرقى إلى مستوى الاستسلام هو خيانة للتاريخ ولن يُغتفر، وهو ما يجعل رفضها لهذه المبادرات ليس مجرد موقف سياسي، بل موقفاً وطنياً وأخلاقياً يحفظ بوصلة النضال الفلسطيني في وجه كل محاولات الالتفاف.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة