خبر صادم!

 

 

 

 

 

◄ القطاع الخاص في صورته الحالية ما زال ضعيفًا في مواجهة التحديات وما زال بعيدًا عن الدور المنتظر منه وفق "عُمان 2040"

 

 

 

فايزة بنت سويلم الكلبانية

faizaalkalbani1@gmail.com

 

صُدمت وأنا أقرأ عن العدد المتداول والذي تناولته أقلام عدد من الزملاء الكُتاب والذي يُعنى بالشركات العُمانية التي تلتزم بنسب التعمين وتعيين مُواطنين عُمانيين؛ حيث لم يتجاوز الرقم حدود 1000 شركة فقط تصل نسبة التعمين فيها بالكاد 44% ولم توظف سوى 200 ألف عُماني فقط مقابل 245 ألف وافد؛ بل وأن 245 ألف شركة لا توظيف أي مواطن عُماني على الإطلاق بنسبة تعمين صفر%، وبعدد عمالة وافد يتخطى 1.1 مليون وافد!!

يا لها من صدمة، لا تخص فردًا بعينه؛ بل تمس كل عُماني يطمح لرؤية سوق عمل أكثر حيوية وقدرة على الاستيعاب، أن يقتصر التوظيف في القطاع الخاص على هذا العدد المحدود، في بلد يزخر بالكفاءات والطاقات البشرية، هو مؤشر مقلق ودليل على هشاشة البنية الاقتصادية التي لم تتمكن بعد من التمدد الأفقي والعمودي بالقدر الكافي لاستيعاب الطموحات والتطلعات.

هذه الحقيقة المُؤلمة تكشف أنَّ القطاع الخاص في صورته الحالية ما زال ضعيفًا في مواجهة التحديات، وما زال بعيدًا عن الدور المنتظر منه في دعم الاقتصاد الوطني وفق مُستهدفات رؤية "عُمان 2040"، فإذا استثنينا التجارة المستترة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تفتقر إلى القدرة الفعلية على التوظيف، نجد أن عدد الشركات المؤثرة لا يصل إلى ألف، وهو رقم لا يتناسب مع رؤية بلد يسعى لأن يكون منارة تنمية مستدامة.

وفي المقابل، نجد أنَّ أعداد الباحثين عن عمل في تزايد مستمر، يحملون الشهادات والخبرات والقدرة على الإسهام في بناء الوطن، لكنهم يصطدمون بجدار محدودية الفرص، وكأنَّ أبواب السوق أُغلقت إلا أمام قلة قليلة من الشركات.

الأمر لا يقف عند حدود الإحصاء؛ بل يتجاوز إلى دلالات عميقة؛ فوجود 750 شركة فقط يعني أن الفرص الحقيقية مركزة ومحتكرة في نطاق ضيق؛ مما يضعف المنافسة ويجعل القطاع الخاص عاجزًا عن أداء رسالته الوطنية.

نحن بحاجة إلى وقفة مسؤولة تعيد تقييم المشهد من جديد، ليس بهدف تسجيل الأرقام، وإنما لرسم خارطة طريق تعالج الخلل وتفتح المجال أمام ولادة شركات جديدة قادرة على الاستيعاب والتوسع.

هنا يصبح السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن لنا أن نحول هذا الرقم الصادم إلى نقطة انطلاق نحو مضاعفة العدد ليصل إلى الألف والألفين وأكثر؟

المطلوب أولًا هو إستراتيجية واضحة لدعم القطاع الخاص وتعزيز حضوره، تقوم على عدة مرتكزات؛ أهمها ضبط السوق والحد من التجارة المستترة التي تستنزف الموارد وتضعف فرص العُمانيين، وتقديم الحوافز الجاذبة للمستثمرين لزيادة أنشطتهم وتوسيع أعمالهم، إلى جانب تمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة كي تنمو تدريجيًا وتتحول إلى شركات كبرى قادرة على التوظيف، فهكذا فقط يمكن بناء قاعدة اقتصادية متينة ومتنوعة.

إنَّ الاستثمار في المواطن العُماني لا بُد أن يكون جزءًا من معادلة الربح، فلا يُعقل أن يظل توظيفه خيارًا ثانويًا أو شكليًا؛ بل يجب أن يكون محورًا لأي خطة اقتصادية تراهن على الاستدامة.

 

إن تقوية القطاع الخاص ليست رفاهية؛ بل ضرورة، ولا يمكن لأي اقتصاد أن ينهض إذا ظل الاعتماد على بضع مئات من الشركات فقط. المطلوب أن نخلق بيئة عمل جاذبة، تحفز الشباب على خوض تجربة ريادة الأعمال، وتمنحهم الثقة بأن مشاريعهم الصغيرة ستجد الدعم لتكبر وتنافس.

ومطلوب كذلك أن تتحلى الشركات القائمة بالشجاعة والوعي في النظر إلى التوظيف بوصفه استثمار طويل الأمد، لا عبئًا مالياً مؤقتًا. فالتنمية الحقيقية لا تتحقق إلا عندما يتشارك الجميع المسؤولية، ويتحول القطاع الخاص من مجرد لاعب ثانوي إلى شريك أصيل في بناء المستقبل.

إن الصدمة التي أحدثها الرقم يجب أن تتحول إلى دافع للحركة، فبدل أن نقف مذهولين أمام 750 شركة فقط، علينا أن نعمل جميعًا، حكومة وقطاعًا خاصًا ومجتمعًا، على تحويل هذا الواقع. إذا استطعنا مضاعفة العدد، فإنَّ ذلك لن يفتح أبواب التوظيف فحسب؛ بل سيعزز من قوة الاقتصاد الوطني، ويوفر بيئة أكثر صلابة لمواجهة تقلبات السوق. ولأن رؤية "عُمان 2040" وضعت الإنسان في قلب أولوياتها، فإن تحقيق هذه الرؤية يبدأ من تمكين العُماني ومنحه الفرصة ليثبت نفسه في ميدان العمل.

الواقع الحالي قد يكون صادمًا، لكن تجاوزه ليس مستحيلًا، فكما تجاوزنا تحديات أصعب في مسيرة النهضة، نستطيع أن نعيد صياغة معادلة القطاع الخاص لتكون أكثر عدالة وفاعلية. المطلوب فقط أن نؤمن بأن الصدمة ليست نهاية الطريق؛ بل بدايته، وأن نسعى جميعًا نحو مضاعفة العدد ليصبح آلاف الشركات الوطنية التي توظف أبناء الوطن، وتحتضن أحلامهم، وتفتح لهم نوافذ أوسع نحو المستقبل.

الأكثر قراءة