قمة بلا أثر!

 

 

د. إبراهيم بن سالم السيابي

انعقدت القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة يوم الإثنين 15 سبتمبر 2025، بعد العدوان الإسرائيلي على قطر، الدولة العربية المستقلة وعضو الأمم المتحدة، والتي لم ترتكب أي عدوان؛ بل لعبت دور الوسيط الدبلوماسي القوي والفعَّال في كثير من الملفات العربية والإقليمية.

هذا العدوان لم يكن مجرد اعتداء عابر؛ بل انتهاكًا صارخًا لكل الأخلاق والمعايير الدولية، وكان السبب المباشر لعقد القمة الطارئة، لاختبار قدرة الدول العربية على الدفاع عن سيادتها وحماية شعبها وحفظ هيبتها.

كانت الشعوب العربية من الخليج إلى المحيط تترقب، والقلوب معلّقة على بيان يرد اعتبار قطر ويوقف نزيف الدم الفلسطيني في غزة ويعيد للعرب جزءًا من هيبتهم المفقودة. لكن البيان الختامي، رغم علو نبرته، جاء ككثير من سابقاته: كلمات رنانة على الورق بلا أثر على الأرض، بيانات على شكل توصيات بلا التزامات، بلا إطار زمني، بلا آليات مُتابعة، وكأن التاريخ لم يعلمكم أن الكلام وحده لا يحمي الشعوب.

أدان القادة العدوان على قطر، ودعوا إلى مراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الاحتلال، وطالبوا باتخاذ تدابير قانونية لوقف جرائم الحرب، لكن كل ذلك ظل حبرًا على الورق. وفي الوقت نفسه، جاء تصريح وزير الخارجية الأمريكي ليؤكد دعم واشنطن لإسرائيل مهما كانت الظروف: "الولايات المتحدة مع إسرائيل، سواء كانت ظالمة أم مظلومة"، لتتأكد الشعوب العربية أن التحدي العالمي للعدوان لم يكن حقيقيًا، وأن الدعم الأمريكي لإسرائيل ثابت ومستمر مهما كانت الأفعال والتصرفات حتى ولو وصلت لحد الإجرام والإبادة الجماعية، كما هو الحال في غزة أو استهتار وضرب القوانين والأعراف الدولية بعرض الحائط كما هو الحال في العدوان الصارخ على سيادة دولة قطر.

والنتيجة؟ إسرائيل سخرت من كل ما صدر عن القمة؛ إذ شنَّت في اليوم نفسه غارات وحشية على غزة، سالت فيها الدماء، وتحولت الأزقة إلى أنهار من الموت، ورائحة الجثث تملأ المكان. وفي السياق ذاته، ظهر جندي إسرائيلي ليعترف بلا رادع بأنه كان يقنص المدنيين الذين ينتظرون المساعدات الغذائية! ومع ذلك، لم يصدر عن القمة أي قرار ملزم يرد على هذا الاستخفاف.

وفي المقابل، دول مثل إسبانيا، وهي ليست عربية ولا إسلامية، تعتزم قطع علاقاتها بالكامل مع إسرائيل؛ بل جمَّدت اتفاقيات اقتصادية بمئات الملايين من الدولارات، بعد تجاوزاتها واعتداءاتها، موقف يظهر أن القرار الجريء ممكن عندما توجد إرادة سياسية. فلماذا لا يتحرك القادة العرب بنفس الحزم؟ لماذا لا يكون هناك جيش عربي موحد على الأقل للردع إن لم يكن للحرب؟ ماذا يمنعكم، المال أم الرجال، وقد أصبح عددكم كغثاء السيل أمام العدوان؟

وفي قلب هذه المأساة، يظل أهل غزة صامدين، شبابًا وكبارًا وأطفالًا، يدافعون عن أرضهم دفاعًا مشروعًا، يرفضون الاحتلال، ويقدمون آلاف الشهداء، متحملين كل الضيم والعقاب الجماعي من أجل تحرير أرضهم. هذا حقهم المشروع الذي تكفله القوانين الدولية، والتي غالبًا ما تغيب في مجلس الأمن لمصلحة إسرائيل وبرعاية أمريكية فاضحة.

إن الأمة العربية أمة ذات إرث حضاري عظيم، مهد الرسالات السماوية، تستحق أن تكون بين طلائع الأمم لا أن تكون بهذا الضعف وهذا الهوان.

دافعوا عن قطر، دافعوا عن غزة، ودافعوا عن أي عاصمة عربية تتعرض للعدوان. أنتم لستم ضعفاء، لكنكم ضعفاء فقط بتفرقكم. نحن لا نحتاج إلى خطابات حماسية، بل إلى وحدة وإرادة. عندما يصل الأمر إلى انتهاك السيادة وإهانة الكرامة، من يجرؤ على استهداف عاصمة دولة إلا دولكم؟ ومن يقتل نساءها وأطفالها وشيوخها إلا شعوبكم؟ ومن تنتهك أجواؤها كل يوم إلا أنتم؟

الشعوب العربية لم تعد تكتفي بالتنديد بالكلمات، بل تريد خطوات فعلية: سحب السفراء، تجميد الاتفاقيات، ضغوط اقتصادية، وتحريك ملفات جرائم الحرب في المحاكم الدولية، البدء في مشروع الجيش العربي المشترك، يريد الناس أن يروا القمم محطات لصناعة القرار لا منصات للصور التذكارية والخطب الطنانة.

في الختام.. الكلمة بلا فعل سراب يختفي أمام أعيننا، والفعل وحده هو ما يُعيد الكرامة ويصنع التاريخ. لقد خيّبتم أملنا كعادة اجتماعاتكم، وهذه المرة كانت الخيبة أعظم.

لتكُن القِمم القادمة قِمم فعل لا قول، كلمات تتبعها أفعال تردع الظلم وتكتب التاريخ بجرأة وشجاعة. الشعوب العربية تستحق أن ترى الكرامة والسيادة وقد تحوَّلت من شعارات إلى واقع حي.

الأكثر قراءة