أ. د. حيدر أحمد اللواتي **
من المواضيع التي وجد الباحثون أنفسهم أنهم مجبرين على التعامل معها لما لها من أثر بالغ في عينات الأفراد الذين خضعوا للدراسة، هو أثر إدمان الكحول على حياة الفرد، الاجتماعية وعلى الصحة والسعادة؛ بل يرى الباحثون أن من أهم إنجازات هذه الدراسة، أنها ألقت الضوء على الآثار الاجتماعية المدمرة لإدمان الكحول، وللأثر البالغ لهذه الظاهرة، فلقد خصَّص الباحث الرئيسي جورج إي. فايلانت (George E. Vaillant ) كتابًا مُنفصلًا عن ظاهرة إدمان الكحول وتاريخها.
ومن المعروف أن لظاهرة إدمان الكحول أثرًا سلبيًا بالغًا على صحة الفرد؛ ففي الولايات المتحدة الأمريكية، يُشكل إدمان الكحول رُبع حالات الدخول الى المستشفيات العامة، ويتسبب بدور رئيسي في الأسباب الأربعة الأكثر شيوعًا للوفاة بين الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عامًا، وهي: الانتحار والحوادث والقتل وتليُّف الكبد.
في هذه الدراسة، توسَّع الباحثون في مصطلح إدمان الكحول، فشمل: الإدمان على الكحول والاعتماد على الكحول، وقد تم تحديد هذه التشخيصات وفقًا لمعايير الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، للجمعية الأمريكية للطب النفسي، فالمشاركون في الدراسة الذين تم تشخيصهم بأنهم معتمدون على الكحول عادةً ما يعانون من 8 على الأقل من 16 مشكلة مرتبطة بالكحول.
وكان الاعتقاد السابق، بأن إدمان الكحول هو أحد الطرق والتي يسعى فيها الفرد للتخلص من الاكتئاب الذي يصيبه نتيجة الظروف القاسية التي يمر بها الفرد، فلقد لاحظ العلماء بأن هناك ارتباط واضح وقوي بين الاكتئاب وادمان الكحول، إلّا أن هذه الدراسة أوضحت أن الاكتئاب انما هو نتيجة لإدمان الكحول وليس سببا له، كما أشارت الدراسة أن أسباب الإدمان قد ترجع الى عوامل وراثية وبيئية، فلقد لوحظ مثلا وجود علاقة بين إدمان الوالدين للكحول وبين إدمان الأبناء، مما قد يشير الى أن إدمان الكحول انما هو مرض وراثي، وبالمقابل فلا توجد علاقة واضحة بين الطفولة التعيسة التي ينشأ بها الطفل وبين إدمان الكحول.
ومن أهم آثار إدمان الكحول والتي توصل لها الباحثون أنه السبب الرئيسي والأول والأهم للطلاق، وهو أمر لم يكن واضحًا فيما سبق من دراسات؛ إذ كان الطلاق في السابق في الولايات المتحدة يعزى لأسباب أخرى الا أن هذه الدراسة أوضحت أمرًا مخالفًا تمامًا؛ حيث اتضح أن ما يقارب من 60% من حالات الطلاق كان فيها أحد الزوجين مدمنا للكحول -حسب تعريف الإدمان الذي ذكرناه-، كما أوضح الباحثون بأن إدمان الكحول كان سببًا رئيسيًا في فشل تكوين علاقات اجتماعية ناجحة، وعدم القدرة على التأقلم مع متغيرات الحياة وضعف الحالة النفسية للمدمن.
وأقر الباحثون، كذلك، أن إدمان الكحول يعد العامل الرئيسي الأكثر تجاهلا في العلوم الاجتماعية الحديثة، وهو أمر مثير للجدل، ويبدوا أن الكثير من الباحثين الغربيين في المجال الاجتماعي وقعوا في فخ الميول النفسية والعاطفية، وفقدوا القدرة على النقد المتوازن لهذه المشكلة الكبيرة.
إن هذه الدراسة المُهمة، تشير وبوضوح الى واحدة من أهم الظواهر السلبية والتي تأن منها المجتمعات الغربية، لذا من المُهم ألّا نسمح لمثل هذه الأمور في الانتشار في مجتمعاتنا ولا نتساهل للتصدي لها، فنقع فيما وقعت فيه تلك المجتمعات.
ولا شك أن الفضل الأول يعود للإسلام الذي أدّى دورًا محوريًا ومُهمًا جدًا في الحد من انتشار ظاهرة تناول الكحول والإدمان في مجتمعاتنا الإسلامية؛ فالإسلام هو الدين الوحيد بين الديانات الإبراهيمية التي يُحرِّم الخمر تمامًا (بعض المذاهب المسيحية لا سيما الشرقية منها تُحرِّم الخمر)، ويتشدَّد فيها، ولذا فلو لم يكن للإسلام أثر في حياة مجتمعاتنا الإسلامية غير تحجيمه لهذه المشكلة الكبيرة، لكان ذلك كافيًا في توضيح أثر الإسلام وتشريعاته في حياة المسلمين، كما إن تحريم الخمر في الإسلام يشير الى عظمة المُشرِّع وحكمته، فلقد تشدَّد في ظاهرة اجتماعية كانت أمرًا مألوفًا في ذلك الزمن ولم تكن آثاره السيئة النفسية والصحية واضحة وبينة كما هي الآن.
وللحديث بقية...
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس