د. أحمد بن علي العمري
متابعة لمقالي السابق الذي نُشر في جريدة الرؤية بتاريخ 10 سبتمبر "هل ضاعت المليارات في سوق التواطؤ الأمريكي"، فقد انتظرت لأرى رد فعل العالم تجاه الحدث، وهل هي إسرائيل التي تحكم العالم ومن خلفها أمريكا؟ أم أن لمجلس الأمن شأنًا آخر؟
لقد ثبت للجميع، وعلى مرأى ومسمع العالم، أنه عندما تُستهدف أمريكا فهذه جريمة شنعاء لا تُغتفر، وعندما يُوجَّه لها صفعة فلابد من اقتلاع وهدم وتدمير من عملها. ولكن عندما تُستهدف دولة عربية، ونحن هنا نتكلم عن دولة قطر الشقيقة، أو حتى أي دولة أخرى سواء كانت عربية أو إسلامية، فإنَّ الأمر هين، والوعود بعدم تكراره تتوالى، وأن المسمار الذي دُق في جسم هذه الدولة سوف يتم التعامل معه (وحتى لا يقولون يجب نزعه فورًا وأخذ حق هذه الدولة).
وبعد الاستماع لكلمات المندوبين، وأولهم الولايات المتحدة، وفي الطابور من خلفها الأوروبيون، لاحظت في كلمة الولايات المتحدة، وعبر مندوبتها، أنها تدافع عن إسرائيل أكثر مما تنتقدها وتُبرر هجومها، على الرغم أن الاجتماع عن الاعتداء الإسرائيلي على قطر وليس سواه، وهو محدد ومعروف، وحتى لم تذكر أي شيء عن أحداث 11 سبتمبر، مما يعني أن الشأن الإسرائيلي عند الأمريكان هو أهم من الشأن الأمريكي نفسه، وحتى تبعها الأوروبيون. بل إنَّ هناك من استنكر قتل 4 إسرائيليين في الضفة الغربية، متناسيًا ومتجاهلًا مع سبق الإصرار والترصد المئات الذين يُقتلون يوميًا في غزة.
وطبعًا هذا كله خارج نطاق الاجتماع، وهو تداعيات الاعتداء السافر على قطر. وحتى عن البيان الصحفي، فلم توافق أمريكا على نشره إلا بعد حذف إسرائيل أو الإشارة إليها، وكل ما يُلمح لها في البيان، وكأنها المعصومة سلفًا، وكأنما الهجوم حدث من ذاته أو من مجهول أو من جهة مجهولة وليس له فاعل، على الرغم أن البيان الصحفي يُعتبر أضعف قرارات مجلس الأمن ولا يُعتد به. ولكن الحرص على إسرائيل وصل لهذه الدرجة حتى لا تُخدش كرامتها من قبل أمريكا وأوروبا.
فهل لهذه الدرجة وصل النفاق والمحاباة الدولية المسيطر عليها؟ فهل تتوقعون يا عرب ويا أمة الإسلام أن تقف معكم أمريكا في يوم من الأيام مهما طالت الأعوام والسنون؟
وعندما يقول ترامب لقطر ويؤكد لها أن العدوان على أراضيها من قبل إسرائيل (غير المبرر) لن يتكرر… فلماذا لا يمنع الهجوم من أصله وقبل حدوثه؟ وبيده جميع الخيوط ومقدراتها، وهل تقدر إسرائيل أن تهاجم قطر أو أي دولة غيرها في العالم بدون إذن وعلم الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدًا رئيسها واسع النفوذ دونالد ترامب؟!
ولماذا يقول ترامب إن قرار الهجوم على قطر قرار نتنياهو وليس قراره؟!
وهل لهذه الدرجة ترامب يُجامل نتنياهو ويتفادى المواجهة معه؟!
وهل قوة نتنياهو تتعدى نفوذ ترامب؟!
أم ماذا يحصل في الكون؟!
أم أن الأمر مفبرك وتمثيلية سياسية مفتعلة، وكما يقولون (ضحك على الذقون).
لقد أعلنت دولة قطر بوضوح أن استضافتها لحماس أتت بناءً على طلب أمريكي وإسرائيلي، فلماذا تغدر إسرائيل في ظل تواطؤ أمريكي وتطعن في الظهر؟
أو أن الأمر أن سموتريتش وبن غفير هما من يتحكم بنتنياهو، وأن نتنياهو يتحكم بترامب… هكذا تكتمل المنظومة ونفهم المعاني والمغازي والمضامين، وتنتظم خيوط السلسلة وحلقاتها، وساعتها لن تنفع مليارات الخليج مهما صُرفت وكيفما صُرفت، فالقصد معروف، والسياسات معروفة، والتحكم العالمي وضح في أقصر حدوده وأضيق توجهاته، ولا محاباة ولا مجاملة، فالتوجهات معلومة، والبوصلة محددة باتجاهها المقصود.
وربما أن المؤثرين من حول ترامب متعاطفون بشدة صهيونيًا مع إسرائيل، وربما ولاؤهم لإسرائيل أكثر من ولائهم لأمريكا نفسها، مما جعل تأثيرهم بالغ الأهمية وبشكل واضح على ترامب. لقد كنا نعرف مع الرؤساء السابقين أن هناك الصقور والحمائم، ولكن الظاهر في العهد الجديد للرئيس ترامب أن الصقور قضوا على الحمام وأنهوهم، ولم يبقَ سواهم في المشهد.
ومن هنا، ومن تحت جناح التخفي… اعمل يا نتنياهو ما بدا لك، ونحن نُغطي الأمر. ألم يُعلنها باراك، المبعوث الأمريكي إلى لبنان، جهارًا بقوله: من حق إسرائيل أن تعمل ما تشاء.
لقد تحدث ترامب عدة مرات مع نتنياهو خلال 24 ساعة بعد الهجوم على قطر.
فهل وافق شن طبقه… وهل اتفقا زيد وعبيد في مسير دربهم؟
حتى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، وهو متجه لإسرائيل يوم السبت 13/9/2025، لم يتأنَّ أن يُصرح بأنه ذاهب إليهم وسيرى بما يفكرون، ويُؤكد بكل ثقة أن الهجوم الإسرائيلي على قطر لن يُغير من موقف أمريكا تجاه إسرائيل، لأنه للأسف حتى الآن، وبعد كل ما حصل، لم تُدان أمريكا دوليًا، ولا حتى عربيًا وإسلاميًا بوقوفها مع إسرائيل، لأجل ذلك فهي مستمرة في غيها.
وفي المقابل، فقد وقفت طالبان ودولة أفغانستان أمام أمريكا وقوف العظماء، وقد استقبل وزير خارجيتها بكل عنفوان وكبرياء المندوب الأمريكي في كابول، وذلك لتبادل الأسرى، ولربما يتفق الطرفان على تطبيع العلاقات… هكذا لا تُقابل القوة إلا بالقوة، ولكل قوة قوة مضادة لها ومخالفة في الاتجاه.
لقد عُقدت القمة العربية الإسلامية في الدوحة يوم الاثنين 15/9/2025، سبقها التحضير من قبل وزراء الخارجية. وحيث إن الحدث خطير بضرب دولة ذات سيادة ووسيط دولي للسلام، فقد كنا نتأمل أن تكون القرارات بحجم الحدث إن لم تكن أكبر، وعلى سبيل المثال وليس الحصر:
- الرد على إسرائيل بقوات مشتركة.
- توقيع معاهدة دفاع مشترك.
- سحب السفراء وإلغاء التطبيع من قبل الدول المُطبعة.. وهو أضعف الإيمان.
ولكن للأسف، لم يحدث أيٌّ مما ذُكر، وتم الاكتفاء بالبيان الذي أعده الوزراء قبل القمة بيوم، أي أن القمة معدة سلفًا، وقد انتهت قبل ما تبدأ… فمادام الأمر كذلك، فيا ليتهم وفروا الجهد والمال في التنقل والإقامة، والوفود الإعلامية المصاحبة، وحُولت هذه المبالغ لسد بعضٍ من رمق جوعى غزة، وأصدروا بيانهم عن بعد.
ولو كانت البيانات تنفع، فقد أصدرت قبلهم الأمم المتحدة بيانًا بذات الشأن، وهو أكثر أهمية وأبلغ صدى، فقد حضرت 57 دولة وكأنها لم تحضر، وانتهت القمة حتى قبل بدايتها بإعلان وبأشد العبارات.
لقد سمعنا كلامًا تقشعر له الأبدان… ولكنه خارج ساحة الوغى والميدان؛ إذ إن تأثيره لم يصل أبعد من القاعة التي أُلقي فيها (مثل ما يقول إخواننا المصريين: تيتي.. تيتي.. زي ما رحتي جيتي) ، وفي ذات الوقت الذي تجتمع فيه القمة، كان نتنياهو يجتمع بوزير الخارجية الأمريكي الذي أتى لمؤازرته، ويُعلن نتنياهو بكل وقاحة تحمله المسؤولية الكاملة عن الهجوم على قطر.
وعليه، فإنه منطقيًا وعمليًا وواقعيًا، لم يبقَ أمام دول الخليج سوى أحد حلين لا ثالث لهما:
1) تضامن دول الخليج معًا وتعاونها مع مصر وتركيا وإيران في تكتل اقتصادي سياسي عسكري، ومعاهدات دفاع مشترك ذات بُعد استراتيجي.
2) التوجه إلى التنين الصيني والدب الروسي، فهما سوف يكونان الملاذ الآمن والأرحم والألطف، والأكثر منطقية وواقعية.
اللهم استر وألطف.. ولله في خلقه شؤون.