إعادة هيكلة الدعم

 

 

 

مدرين المكتومية

 

يعلم الجميع أنَّ التحديات الاقتصادية التي تُواجه المُجتمعات تسبب تراجعاً كبيرًا في القوة الشرائية وتسبب أزمات وتحديات كبيرة على كافة مناحي الحياة، وفي ظل التَّحديات الاقتصادية الصعبة وارتفاع تكاليف المعيشة على الفرد والأسرة والمجتمع، وفي سلطنة عُمان أوجدت منظمة الحماية الاجتماعية الطريق نحو تحقيق الاستقرار لكثير من فئات المجتمع وعملت جاهدة على أن تُقدم الدعم المتواصل لمختلف الشرائح، وكما نعلم جميعًا أنَّ أي منظومة يتم تطبيقها في مراحلها الأولى تعد تجريبية، وبحاجة إلى تجديد وتحديد المستهدفين، وهي تجربة يجب مُراجعتها لعمل نظام أفضل وأكثر مساواة وعدالة.

فقد بلغ عدد المستفيدين من منفعة الطفولة بنهاية أكتوبر 2024 نحو مليون و232 ألفًا و283 منتفعًا، فيما المستفيدين من منفعة كبار السن 167 ألفًا و527 منتفعًا، وبلغ عدد الأسر المستحقة لمنفعة دعم دخل الأسر حتى فبراير 2025 أكثر من 53 ألف أسرة، بواقع 53072 حالة. وبالنظر إلى هذه الإحصائيات نجد أن عدد الأسر المستحِقة للمنفعة يمكن تمكينها وتحسين أوضاعها وجعلها قادرة على أن تعيش حياة كريمة إذا ما تم على سبيل المثال إلغاء منفعة الطفولة أو كبار السن، خاصة وأن منفعة كبار السن تشمل الجميع دون التفرقة بين مستواهم المعيشي أو ظروفهم وحتى مرتباتهم الشهرية أو تقاعدهم، فليس من العدالة أن يستلم شخص راتبه 5000 ريال علاوة من الحكومة في حين يتساوى مع من يستلم 300 ريال.

وهذا الأمر متروك ليس فقط على موضوع العدالة وإنما على الأكثر حاجة والأكثر أهمية، فالشخص "الغني" على سبيل المثال لا تُؤثر عليه وربما لا يشعر بها كما يحدث مع شخص آخر هو أكثر حاجة بها، فلو قمنا بتمكين تلك الأسر المحتاجة من خلال رفع منفعتهم وتقديم مبلغ شهري موحد لهم لا يقل عن 500 ريال مثلاً لأصبح الواقع أفضل وربما أيضًا يُقلل من الأعباء المالية على الحكومة مثلاً. فمن غير المنطقي أن يحصل مليونير أو موظف براتب مرتفع على دعم شهري في حين تبقى أسر تُعاني من الأوضاع الصعبة.

إنَّ الجهود التي يبذلها صندوق الحماية الاجتماعية بالتأكيد يُمثل خطوة مهمة في مسار الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وبإطلاقه كان واضحاً أنَّ هذا الصندوق جاء أيضًا ليتكيف مع المتغيرات، وكما قلنا سابقاً هي تجربة والتجارب يمكن تطويرها وتغيرها بما يتناسب مع وضع المجتمع ومع المتغيرات التي يفرضها العالم من حوولنا، حيث إن هذه المراجعة المستمرة لكل تجربة تتيح بناء نظام دعم أكثر إنصافا، يساهم بتوجيه مخصصاتها بطريقة مباشرة إلى من هم في أمس الحاجة إليه، ويعمل على تقليص مساحة الفجوة المعيشية بين فئات المجتمع. ونحو عدالة اجتماعية أوسع تأتي أهمية إعادة هيكلة الدعم الخاص الذي يقدمه صندوق الحماية الاجتماعية للفئات ويوجه بشكل أكبر للأسر المحتاجة لضمان أن تكون الموارد المالية المتاحة أداة لتمكين الشرائح الأضعف في المجتمع لا مجرد امتياز عام يفتقد لمعايير العدالة.

إن إعادة هيكلة الدعم ليس مجرد تعديل إداري أو مالي بقدر ما يُمثله من رؤية نحو تحقيق مبادئ العدالة والمساواة والتكافل الاجتماعي، وأيضًا ليؤكد على أنَّ الدعم يأتي كحق للمستحقين له، ووسيلة لضمان حياة كريمة لكل مواطن بحاجة فعلية إليه ولتمكين المستحقين من العيش بالطريقة التي يحلمون بها لهم ولأطفالهم.

 

الأكثر قراءة