فوزي عمار **
اللغة العربية لغة دقيقة في التعبير، فكلمة "عالِم" مشتقة من الفعل "عَلِمَ"، أي عَرَفَ الشيءَ وليس معناها أنَّه اخترع أو ابتكر هذا العلم؛ فالعالم هنا ليس صانعًا للعلم، بل هو مَنْ كَشَفَ عنه وأدرك حقيقته.
مثالٌ على ذلك: عندما سقطت التفاحة على الأرض، عَلِمَ نيوتن بقانون الجاذبية الذي كان موجودًا منذ الأزل، ولم يخترعه، بل اكتشفه، فسُمِّيَ عَالِمًا. أما الذي أوجَدَ الجاذبية وخلقها فهو الله تعالى، وهي من سننه التي لا تتغير، كما قال سبحانه: ﴿وَلَن تَجِدَ لسنة اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾.
القرآن الكريم استخدم كلمة "عَلَّمَ" بدقة بالغة، كما في قوله تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾؛ فالله هو الذي علَّم آدم الأسماء، فجعله عَالِمًا بها، ولم يقل "أوجد فيه العلم"، لأنَّ العلم في أصله كشفٌ عن حقيقة قائمة، وليس إنشاءً لها.
فالسنن الإلهية، وما يكتشفه العلماء من قوانين الطبيعة (كالجاذبية وقوانين الفيزياء والرياضيات)، هي حقائق قديمة وضعها الله، وليست من صنع البشر. ودور العالم يقتصر على الكشف عنها، لا اختراعها، كما قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾، وهذا ما يُبرِزُ عَظَمةَ اللغةِ العربيةِ التي تُميِّزُ بين: "العِلم" (المعرفةُ بالشيء)، والخَلق"(إيجادُ الشيءِ من العَدَم).
أخيرًا نقول.. إن كلُّ اكتشافٍ علميٍّ هو آيةٌ جديدةٌ تُذكِّرُنا بعظمةِ الخالق، وكلُّ عالمٍ حقيقيٍّ هو مُترجِمٌ لسننِ الله في الكون، لا صانعٌ لها.
** كاتب ليبي