داوود بن سليمان الظفري
إن الزواج في الإسلام ليس مجرد ارتباطٍ عادي وعابرٍ بين رجلٍ وامرأة، بل هو ميثاقٌ غليظ كما وصفه الله تعالى: {وأخذْن مِنكُم ميثاقًا غلِيظًا}، يهدف إلى بناءِ أسرة مُستقرة تقومُ على المودة والرحمة، شرعه الله تعالى لِتتحقق به السكينة النفسية، وتُحفظ وتُصان به الكرامة، وتُبنى به المُجتمعات الصالحة.
وقد أشار القرآن إلى ذلك في قوله تعالى: {ومِنْ آياتِهِ أنْ خلق لكُم منْ أنفُسِكُمْ أزْواجًا لتسْكُنُوا إِليْها وجعل بيْنكُم مودةً ورحْمةً}، وأشارت الآية الكريمة إلى قدرة الله تعالى أن خلق للرجل زوجة من جنسه ليسكُن إليها وجعل بينهما مودة حبٍ ورحمة عطفٍ ثابتين لا تبليان كما تبلى مودة غير الزوجين ممن ألِفت بينهما الشهوات، ويُقصد بالسكن هنا هو السكنُ الروحي، والاطمئنانُ النفسي، الذي يزول به الخوف والتوتر والقلق. فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما أصابه الخوف والرهبة من مُشاهدة الملك جبريل عليه السلام لأولِ مرة، ذهب إلى زوجتِه خديجة رضي الله عنها؛ حيث وجد عندها الاهتمام والسكينة والهدوء والاطمئنان.
ومِما يُفقِد الحياة الزوجية سعادتها، وأُنسها، وإيتاءها ثِمارها، وينزِع منها البركة، هي المفاهيم الخاطئة، والأفكار اللاعقلانية تجاه الأهداف السامية للزواج، والمعنى الحقيقي للحياة الزوجية، وهذا منشأهُ الجهل من الناحية الشرعية، والنفسية، والتربوية، المتعلقة بجوانب الحياة الزوجية، ومن المفاهيم الخاطئة والشائعة في الآونة الأخيرة، والتي تسببت في كثيرٍ من حالات الطلاق، والإيذاء الجسدي أم النفسي هي: اعتقاد بعضِ الشباب والفتيات، أن الزواج هو انطلاقٌ تام للحرية المُطلقة، وتحقيق الأمنيات والأحلام التي كانوا يتمنوها، فالشاب ينتظر الفتاة التي لا تمرض، ولا تتعب، وتكون مثالية في جميع الصفات الطيبة والحسنة؛ والفتاة تنتظر الشاب الذي لا يمرض، ولا يتعب، ولا يُصيبه فقرٌ أو ابتلاء، ويُحقق لها كُل ما تتمناه ولو على حِساب صحته الجسدية والنفسية، وعندما تجمعهما الحياة الزوجية، ويتفاجأن بحجم مسؤولية الحياة الزوجية ومصاعبها، والمصائب والابتلاءات التي تقع لهما، تبدأ أركان الحُب والمودة والاستقرار بينهما بالاهتزاز والتأرجح، ويبدأ كل واحدٍ منهما يفقد صبره، وتصبره على الآخر؛ لأنهما لم يتخيلا أن يأتي يومٌ يُعكر عليهما صفو الحياة الهادئة والمُستقرة التي يتصوران أن تستمر هكذا طول الحياة.
وما يدعُم هذا الفهم الخاطئ ويُقويه، مُشاهدة الأزواج الذين يظهرون على مواقع التواصل الاجتماعي على أنهم الأزواج المثاليين، الذين يبدأ يومهم بالسعادة والاطمئنان، وينتهي بالخُروج إلى أغلى الماركات والمطاعم الفاخرة، ويختتِموه بالهدايا والكلمات الرومانسية، ولا يعلم هذين الزوجين ما يحدُث ويقع بعد غلق الكاميرا نتيجة التصنع والتظاهر بالمظاهر الخداعة والزائفة، ويأتيان بعد ذلك يريدان تطبيق تلك الأقوال والأفعال على حياتِهم الخاصة في كل يوم؛ فيصطدمان بالواقع المرير الذي يفرِض عليهما العيش حسبما تقتضيه أحوالهم الأسرية، والاقتصادية، والاجتماعية، وحسبما يتماشى مع ثقافتهم، وأعرافهم، ودينهم.
مِن المفاهيم الخاطِئة أيضًا، أن الفتاة تُريدُ الاستقلالية التامة في أفعالِها، ولا تعترِفُ بِقوامة الرجل وأنه مسؤولٌ عنها، فتُريد الخرُوج متى ما شاءت، ومع من تشاء، دون قُيودٍ أو شُروط، ترِيدُ أن تظهر بالمظهر الذي يُعجِبها ولو على حِساب دينها وأعرافِها؛ وفي المُقابل يقع الشاب في خطأٍ آخر، فإمَّا أن يستخدم قوامته وتحكمه في زوجته بشكل مُتسلط، ويريد تغيير الأفعال، أو الأخطاء بِصورةٍ سريعة، أو يتنازل ويرضى بالواقع، فلا يعِيب عليها، ولا يهتم لأمرِها، حتى يصل به الحال إلى أن يتصف بصفة الدياثة وهذا أمر خطير ففي الحديث: "لا يدخل الجنة ديوث"؛ لذلك أولًا على الفتاة أن تعلم وتتعلم ما معنى قوله تعالى: {الرجالُ قوامُون على النساءِ}، وتُدرِك تمامًا أنها مُطالبة بطاعة زوجها فيما يرضي ربها، وأن عصيانه ومُخالفته يُعرضها لسخط الله ولعنة الملائكة، أما الشاب فعليه أن يعلم بأن الحياة أخذٌ وعطاء، ولا يأتي التغييرُ من أول أمرٍ أو موقف، فلا بُد أن يتحلى بالصبر، ويتوكل على ربه ويدعوه حتى يُعينه على تغيير بعض الصفات السيئة لدى زوجته، وأن يتعامل بالحِكمة واللين في حديثِهِ ومعاملتِهِ لها، وعليه أن يعلم عِلم اليقين أنه مسؤولٌ ومُحاسبٌ أمام الله عن زوجته، فيجب أن يرعاها حق الرِعاية، ويُحسِن عشرتها، ويتجنب إيذاءها بأي شكلٍ من الأشكال، ولا بُد أن يكوُن لها ناصحٌ أمين، ومُرشدٌ حكيم، حتى تُصبِح لهُ زوجةً صالحة في الدنيا والآخرة.