المُعلم بين طموح البدايات وواقع التحديات

 

 

 

نعيمة السعدية

كلٌ يسعى إلى تحقيق الطموح، وكلٌ يحاول تحقيقه بالطريقة التي يراها مناسبة له، والعمل في مهنة التدريس من صور الطموح الرفيع؛ فهي المهنة التي في مضمونها رسالة خير للبشرية، وهي من المهن الشريفة ذات الشأن العظيم؛ فحين نتخرج من الجامعات تغمرنا الآمال والطموحات المتوقدة في النفس كي نبدأ أولى خطوات الألف ميل، والأمل يحذونا والأحلام تعترينا والحماس يملؤنا والأمنيات تقودنا؛ لنحقق ما رسمته ريشة المسار المهني الذي سنسير عليه للوصول إلى الهدف المنشود، لكننا حين نقترب من دائرة الواقع نجدها مختلفة تمامًا عن الخيال الذي صورته لنا عقولنا بعد مسيرةٍ من الجهود المتواصلة لتحقيق طموح الحصول على شرف مهنة التعليم.

وحين نخطو أولى خطواتنا في مجال الحقل التربوي ننصدم بهالات كثيرة من التعقيدات التي ترمي بأحلامنا بعيدًا عما كنا نطمح إليه.

للوهلة الأولى نرى أن الوظيفة التي بذلنا قصارى جهدنا للحصول عليها لا تحقق طموحنا كما ينبغي له، حيث نجد أن المهنة التي اخترناها من بين آلاف المهن  وهي مهنة الأنبياء والرسل مؤججة بهموم لا حصر لها منذ بداية المشوار؛ فنجد أن المعلمين قد وزعوا في شتى بقاع الأرض؛ سواءً أكانوا بعيدين عن مكان سكنهم أم قريبين منه خاصةً العنصر النسائي، فإذا كانت المعلمة حديثة العهد بالتوظيف، فكيف لها أن تمارس عملها في مكان يبعد عن بيتها آلاف الكيلومترات، وهي ما زالت تفترش الطريق سعيًا للمضي قُدمًا إلى الأمام لجني ثمار الطموح الذي تولد بداخلها منذ أن خططت لنيل وظيفة المستقبل؟!

ومع كل هذا فهي تناضل وتجاهد وتكافح التحديات لمواصلة ما سعت إليه، وما اشرأبت إليه نفسها.

هذا مع كثير من العقبات التي تواجهها، سواء أكان ذلك داخل السكن أم داخل المدرسة، بدايةً من الجدول المُحمَّل بالكثير من الحصص التي تثقل كاهلها رغم حداثة عهدها بالعمل. ناهيك عن المناهج الدراسية للمراحل المتقدمة التي يُزج بها في طريقها لتقوم بتدريسها، وهي على غير دراية تامة بها، وهكذا دواليك من عقبة إلى أخرى ومن صعوبة إلى أخرى وعليها مواجهة كل ذلك وتخطيه بروح مسالمة صابرة مجاهدة محتسبة الأجر من لدن رب العباد الذي يسهل لنا الأمور بالصبر مهما تعسَّرت.

هناك صور تربوية كثيرة لهموم أصبحت تؤرق المعلم العُماني عامة والمعلمة خاصة في كل بقاع البلاد؛ فكل يشكو من الهَم الذي يشغله ويخالج نفسه، ويأمل في وضع حلول مناسبة لهذه المشكلات التربوية التي لا تخلو منها مدرسة من المدارس سواء أكان ذلك في المدن أم القرى أم المناطق الجبلية التي صارت مصير بعض المعلمات اللاتي عليهن تكبد المسافات الطويلة للوصول إلى المدرسة التي تقع في نهاية طرق وعرة ملأى بالأحجار الصلدة والمتناثرة في شتى الأماكن التي تدعو سالكيها إلى أخذ الحيطة والحذر الشديد كيلا يقعوا فريسة مخاطر الطريق فيتحول الفرح إلى ترح والمنحة إلى محنة.

هذا غير الجدول الذي تكبل به المعلمات في تلك المناطق؛ حيث تُدرِّس المعلمة ثلاثة مناهج لمراحل مختلفة بحكم عدد الشُعب الموجودة في المدرسة وعلى المعلمة تقبل هذا الوضع بنفسٍ طيبة أو غير ذلك فهذا هو الواقع المدرسي في بعض المناطق التعليمية الجبلية خاصةً.

وما بين صور تشتيت الجهود وتبديد الطاقات الذي يمارسه واقع العالم التعليمي نقل المعلمين القُدامى إلى مدارس أخرى في أماكن بعيدة عن أماكن عيشهم دون رغبةٍ منهم في النقل بحجة التدوير، وما خفي كان أعظم.

هذه هي حقيقة الواقع المرير في بعض المناطق التعليمية الذي يتحول به شعور العطاء الذي كان يملأ النفس إلى شعور إحباط بما يجده المعلم من جراء ما يواجهه من صعاب قاسية للأسف الشديد.

فمتى سينتهي مسلسل المعاناة التربوية هذا؟!

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة