الصين.. المدافع الثابت عن السلام العالمي

 

 

تشو شيوان **

قبل أكثر من 80 عامًا، بينما كان العالم يغرق في ظلام الفاشية، قدمت الصين تضحيات جسيمة وقاومت بصلابة لتصبح الجبهة الرئيسية في الحرب المناهضة للفاشية في آسيا، مساهمة بشكل لا يُنسى في النصر العالمي. واليوم، كعضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وكقوة عظمى مسؤولة، تواصل الصين الوفاء بتعهدها بالتنمية السلمية وتعزيز بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية. إن هذه المساهمات عبر الزمن تستحق أن تُسجل في التاريخ، والأهم من ذلك، أن يراها العالم.

بعد حادثة "9.18" عام 1931، أصبحت الصين أول دولة في العالم تقاوم الغزو الفاشي. خلال 14 عامًا من الحرب، كبَّد الجيش والشعب الصينيان خسائر فادحة للقوات اليابانية؛ حيث قُتل أكثر من 1.5 مليون جندي ياباني؛ مما عطَّل خطط اليابان للتقدم شمالًا لمهاجمة الاتحاد السوفيتي أو التوجه جنوبًا للالتقاء مع ألمانيا. قال الرئيس الأمريكي الأسبق روزفلت ذات مرة: "لو لم تكن هناك الصين، لكانت اليابان قد احتلت أستراليا والهند بسرعة، وتقدمت نحو الشرق الأوسط... لتنفذ هجومًا كبيرًا بالتنسيق مع ألمانيا".

كان الثمن الذي دفعته الصين باهظًا: أكثر من 35 مليون قتيل وجريح من العسكريين والمدنيين، وتدمير أكثر من 600 مدينة، وخسائر اقتصادية مباشرة بلغت 6000 مليار دولار (حسب قيمة الدولار عام 1945). معارك مثل معركة شانغهاي ومعركة تايرتشوانغ وهجوم الأفواج المئة أظهرت عزيمة الشعب الصيني الذي فضل "الموت في المعركة على الاستسلام". كما دعمت الصين تحالف الحلفاء المناهض للفاشية، حيث فتحت ممراتها الجنوبية الغربية لقوات الحلفاء، وأرسلت قواتها إلى بورما للمشاركة في المعارك، مما أسهم في انتصار الجبهة الآسيوية.

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، شاركت الصين كعضو مؤسس في الأمم المتحدة في إعادة بناء النظام الدولي، وطرح المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، التي أصبحت حجر الأساس للتعاون بين الدول النامية. منذ خمسينيات القرن الماضي، وعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية الداخلية، قدمت الصين مساعدات طبية وبنية تحتية وغذائية لدول إفريقيا وآسيا. بعد استعادة مقعدها الشرعي في الأمم المتحدة عام 1971، عززت الصين دعمها لحركات التحرر الوطني العالمية، وعارضت الهيمنة.

وبفضل الإصلاح والانفتاح، أصبحت الصين محركًا للاستقرار العالمي من خلال نموها الاقتصادي. بعد انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، ساهمت الصين بأكثر من 30% في النمو الاقتصادي العالمي سنويًا لسنوات عديدة، لتصبح الشريك التجاري الأكبر لأكثر من 120 دولة ومنطقة. وقد استفاد العالم العربي مباشرة من "فوائد التنمية" هذه: فالصين أصبحت أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي في الدول العربية لعشر سنوات متتالية، حيث قفز حجم التبادل التجاري بين الصين والعالم العربي من 36.7 مليار دولار عام 2004 إلى 430 مليار دولار عام 2022. كما ساهمت مشاريع الطاقة والمناطق الصناعية وتقنية الـ5G في تنويع الاقتصادات العربية.

منذ إرسال أول مراقب عسكري للمشاركة في عملية حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة عام 1990، قد أصبحت الصين أكبر مساهم بقوات في عمليات السلام بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن؛ حيث أرسلت أكثر من 50 ألف فرد إلى 16 منطقة مهمة، بما في ذلك لبنان والسودان ومالي. قامت قوات حفظ السلام الصينية ببناء 17 ألف كيلومتر من الطرق، وتطهير أكثر من 20 ألف لغم، وعالجت الفرق الطبية أكثر من 280 ألف مريض. وفي عام 2020، أنشأت الصين صندوق الأمم المتحدة للسلام والتنمية، الذي موَّل أكثر من 100 مشروع.

في قضايا الشرق الأوسط، تلتزم الصين بموقف عادل، وبدأت تلعب دورها البناء بشكل أكبر خلال السنوات الماضية؛ حيث نجحت الصين في تحقيق الوساطة بين السعودية وإيران عام 2023، وتحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية عام 2024، وقدمت مساعدات إنسانية متكررة لقطاع غزة. إن مفهوم الصين للأمن "المشترك والشامل والتعاوني والمستدام" يوفر رؤية جديدة لتهدئة النزاعات والأزمات الإقليمية.

من مبادرة "الحزام والطريق" إلى مبادرة "التنمية العالمية"، تعمل الصين على تعزيز التعاون متعدد الأطراف لمواجهة عجز التنمية. وبحلول عام 2023، وقَّعت 152 دولة على وثائق الانضمام إلى البناء المشترك للحزام والطريق، وتم تنفيذ مشاريع بارزة مثل سكة حديد الصين-لاوس وسكة حديد مومباسا-نيروبي والعاصمة الإدارية الجديدة لمصر. في مجال مواجهة تغير المناخ، تجاوزت الصين أهداف خفض الانبعاثات لعام 2020 قبل الموعد المحدد، حيث تمثل طاقتها الشمسية وطاقة الرياح أكثر من 40% من السعة العالمية، كما تعهدت بدعم التحول الأخضر للدول النامية.

وفي مواجهة تصاعد الأحادية، تؤكد الصين دائمًا على الدور المركزي للأمم المتحدة، وتدعو إلى تحسين الحوكمة العالمية. عبر منصات مثل مجموعة العشرين وآلية بريكس، تعمل الصين على وضع قضايا التنمية في صلب الأجندة، وتدعو دول "الجنوب العالمي" إلى التضامن والتعاون.

ومن مكافحة الغزو إلى بناء السلام، ظلت الصين دائمًا حامية للنظام العالمي وليس العكس. وفي العالم المتغير اليوم، تتطلع الصين إلى التعاون المثمر مع الدول العربية، مستلهمة إرث انتصار الحرب العالمية الثانية، لمواجهة تحديات العصر الجديد مثل الإرهاب والفجوة بين الأغنياء والفقراء وتغير المناخ، واستكشاف طريق جديد لسلام ورخاء دائمين للإنسانية.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية

 

الأكثر قراءة