تمويل المشاريع متناهية الصغر

 

 

 

فايزة بنت سويلم الكلبانية

faizaalkalbani1@gmail.com

 

 

في ظل التحديات الاقتصادية المُتسارعة وتزايد أعداد الباحثين عن عمل، تبرُز المشاريع متناهية الصغر كأحد الحلول الفعّالة لإيجاد مصادر دخل مستدامة أو إضافية للمواطن، خاصةً لفئات المُسرَّحين من أعمالهم وربات البيوت والشباب الطامحين إلى تحقيق الاستقلال المالي.

هذه المشاريع، التي تستند في أساسها على رأس مال محدود، تمتاز بقدرتها على التوسع التدريجي وقابليتها للتكيّف مع ظروف السوق؛ ما يجعلها أداة مهمة لتعزيز ثقافة العمل الحر في المجتمع. لذلك ندعو الجهات المختصة إلى ضرورة توفير التمويل المناسب لهذه المشاريع؛ وهي خطوة أولية تساعد على تمكين المواطنين من إطلاق أفكارهم وتحويلها إلى واقع منتج؛ إذ يُشكل التمويل المُيسَّر؛ سواء في صورة قروض صغيرة أو منح مالية، دعامةً حقيقية لتطلعات هؤلاء المواطنين، وفرصة لابتكار مبادرات اقتصادية متنوعة من داخل البيوت أو في ميدان العمل التنافسي.

وبالنسبة للباحثين عن عمل، فإنَّ هذه المشاريع تمنحهم القدرة على الانتقال من مرحلة الانتظار إلى المبادرة، ومن الاعتماد الكامل على الوظائف التقليدية إلى خلق فرص عمل لأنفسهم وربما لغيرهم، بينما تفتح للمسرحين من وظائفهم نافذة جديدة لإعادة الاندماج في سوق العمل دون الحاجة إلى استثمارات ضخمة أو بنية تحتية معقدة.

أما ربات المنازل، فقد أثبتن في تجارب عديدة أنهن قادرات على إدارة مشاريع ناجحة؛ بدءًا من إعداد المأكولات والمشغولات اليدوية، ووصولًا إلى تقديم خدمات تعليمية أو تسويقية عبر الإنترنت، ومع وجود التمويل الملائم يمكن لهذه المبادرات أن تتحول من هوايات أو أنشطة محدودة إلى مصادر دخل ثابت للأسرة؛ بل وقد تتطور لتوفر فرص عمل لنساء أخريات في المجتمع.

غير أنَّ التمويل وحده لا يكفي لضمان نجاح هذا المسار؛ إذ تظل العقبات الإدارية والمبالغة في الرسوم والاشتراطات من أبرز التحديات التي قد تثني الأفراد عن البدء أو الاستمرار في مشاريعهم. ومن المهم أن تتبنى الجهات المعنية سياسات مرنة تدعم نمو هذه المشاريع وتيسر إجراءات ترخيصها وتقلل من الأعباء المالية عليها، ومع أن هناك جهات تدعم هذا القطاع الحيوي بالفعل، فإننا نطمح إلى المزيد من خطط التمويل المستقبلية لتعزيز قدرات هذه الفئة والارتقاء بأعمالها.

ومن بين النماذج المُلهمة لهذه المشاريع، يمكن الإشارة إلى إنتاج الأطعمة المنزلية وتسويقها عبر التطبيقات، أو إقامة مشاغل خياطة وتطريز لخدمة الأفراد والمتاجر، أو تقديم خدمات التصميم الجرافيكي وإدارة الحسابات الرقمية عبر الإنترنت، أو تربية النحل وإنتاج العسل في مساحات محدودة، أو حتى إعادة تدوير المواد المهملة وتحويلها إلى منتجات مبتكرة.

الحقيقة أنَّ هذه المشاريع- وإن بدت متواضعة في بدايتها- تحمل إمكانيات كبيرة للتطور والنمو، وتؤسِّس لاقتصاد أكثر شمولًا؛ حيث يُسهم المواطن بشكل مباشر في إيجاد مصدر دخل لنفسه ولمجتمعه؛ بما ينعكس إيجابًا على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي على حد سواء، وهو هدف لا أظن أن أحدًا يُعارضه أو يقف دونه!!

الأكثر قراءة