جدلية العلاقة بين أرباب العمل والمواطنين

 

 

 

سالم بن نجيم البادي

 

وكعادتي في كل ما أقول أو أكتب، أبتعد عن التعميم والتهويل قدر الإمكان، وحين أكتب -وكما أصرح دائمًا- لا أقدح من رأسي، ولا أكتب من فراغ؛ بل أستقي كل مواضيعي من أفواه الناس ومن واقع معاناتهم.

وإني لأشكر القراء الكرام الذين منحوني ثقتهم وأحسنوا الظن بي، وأنا أكتب عن أوجاعهم منذ عام 2011 وباستمرار. كما إنني أكتب بلغتهم البسيطة، وأبتعد متعمدًا عن حشو مقالاتي بالإحصائيات والنظريات والكلمات الفخمة والعبارات المنمقة، ولا أحتاج إلى العودة إلى قواميس اللغة العربية، وجمهوري هم بسطاء الناس وعامتهم، وهذا غاية ما أُريد.

وموضوعنا اليوم مسكوتٌ عنه، إلّا من بعض الحديث همسًا، وهنا لن أصدر أحكامًا، كما إنني لا أريد تأكيد أو نفي وجود مشكلة عامة ومنتشرة؛ وهي: سوء تعامل بعض الهنود من أصحاب الشركات والمولات الكبرى مع المواطن العُماني، وخاصة الشباب والشابات الباحثين عن عمل، أو المواطنين الذين يعملون تحت إدارتهم، أو حتى المواطن العادي الذي يتعامل معهم في البيع والشراء.

ومنذ أن ظهر ذلك الشاب العُماني وهو يمسك بلوحة ورقية كبيرة مكتوب عليها اسم محل تجاري شهير يملكه هندي، وأمام هذا الشاب يجلس مجموعة من الهنود يحتفلون ويمرحون ويأكلون، وهو خلفهم يرفع ذراعيه عاليًا بتلك اللوحة، ثار الحديث عن التعامل غير اللائق، والقول الفظّ، والنظرة الدونية، والتعالي على المواطن العُماني، والاعتقاد بأنه أدنى منزلة من الهنود، وأنه غير جاد، وغير مُنتج، ولا يصلح لشغل الوظائف في شركاتهم. وهم بالتالي يفضلون أبناء جلدتهم لشغل الوظائف، وإن وظفوا العُماني، فيتم ذلك على مضض، ولتحقيق نسبة التعمين الإلزامية.

لقد سمعتُ قصصًا كثيرة عن تعامل هؤلاء الهنود مع المواطن العُماني، وخاصة الباحثين عن عمل، والعُمانيين الذين يعملون تحت قيادتهم في شركاتهم الخاصة؛ فحين يدخل الباحث عن عمل على صاحب العمل الهندي، يُعامَل في الغالب بفوقية وغطرسة ظاهرة، وخالية من التقدير والاحترام، ويأتي الرد جافًا وقاسيًا: "ما في وظيفة"، حتى دون النظر إلى وجهه، وكأن لسان حاله يقول له: "اغرب عن وجهي".

ويكثر الحديث في المجالس ووسائل التواصل الاجتماعي عن “كومار وشلة كومار”، و”توغل كومار”، و”سيطرته على الشركات الكبرى ومفاصل الاقتصاد”، وعن “نفوذ كومار في مجال المال والأعمال”. والمقصود بكومار هنا ليس فردًا واحدًا؛ بل هو رمز يشير إلى كل أفراد الجالية الهندية من أرباب الأعمال.

وقد حدّثني أحدهم عن تجربته عندما تم الإعلان عن وظيفة في شركة هندية، وكانت المقابلة عن بُعد، فقال: لقد كانت المقابلة مأساوية، شعرت خلالها بإهانة بالغة. كانوا يضحكون ويستهزؤون بي، واتسمت المقابلة بالسخرية وعدم الجدية، والأسئلة الغريبة.

وشهدتُ بنفسي في الأسبوع الماضي حادثة تدل على عجرفة هؤلاء، حين جاء مواطن، يبدو أنه في الستين من عمره، إلى هندي صاحب محل كبير، يطلب منه المساعدة في أمرٍ ما. وعندما رفض الهندي مساعدته، قال له المواطن العُماني كلمة باللهجة المحلية، قالها ببراءة وعلى سبيل المزاح، لكن الهندي غضب غضبًا شديدًا، وهدده بالشرطة، وقال له كلامًا جارحًا، فرد عليه المواطن بهدوء: “روح خبّر الشرطة”، ثم انصرف.

أما عن بيئة العمل التي يكون فيها الهندي هو صاحب العمل، وهو المسيطر، وهو المدير، والمدير التنفيذي، ورئيس مجلس الإدارة، وكل المسؤولين من الهنود، والعاملين من الهنود، والعُمانيون أقلية… ربما مضطهدة، ومهمشة، وربما يكون التعامل معهم غير لائق في بعض الأحيان، في بعض أماكن العمل المملوكة للهنود.

وأطرحُ هنا هذه المشكلة للحوار والمناقشة، وأُسلِّط الضوء عليها حتى لا يصبح المواطن العُماني عرضة للذل والإهانة وعدم التقدير، وهو يسعى لطلب لقمة العيش في وطنه ومن خير وطنه، في الوقت الذي ينبغي أن يكون فيه عزيزًا، وكرامته مصونة، وله اليد العليا في وطنه، وفي خيرات وطنه، والتي هو أولى بها من الغريب، الذي قد لا يكون أديبًا ولا محترمًا.

إنَّ كرامة المواطن فوق كل اعتبار، فلا تجعلوا المواطن العُماني الشامخ يريق ماء وجهه على أبواب الغرباء، يستجديهم وظيفة من أجل قوته وقوت أهله وعياله، فالوطن الحاني عزيز وغالٍ، وزاخر بالخيرات، وفيه من الموارد ما يكفي أبناءه ويزيد، لو أننا نحسن إدارة هذه الموارد.

الأكثر قراءة