قراءة أولية لحرب إيران وإسرائيل

 

 

علي بن سالم كفيتان

لا شك أن نتنياهو قفز في الظلام من أعلى الشجرة التي صعدها بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023، ولم يستطع أحد إنزاله؛ بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، ولا حتى الشعب الإسرائيلي؛ فالرجل مُتحصِّن بعصابة متطرفة تملك أغلبية أعضاء الكنيسيت الإسرائيلي، وهي مُتعطِّشة للدماء والدمار وإقصاء الشعب الفلسطيني من على أرضه.

هنا يجب أن نستحضر كلمات الشهيد يحيى السنوار- رحمه الله- الذي أقسم بأن يُوقِف نتنياهو ودولة الاحتلال على رِجل واحدة، وها هو الأمر يحصل اليوم على يد الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي صبرت كثيرًا على تجاوزات النظام المجرم في تل أبيب. وفي إطار إعادة الأمور إلى سياقاتها، لا يجب أن يتم تحليل ما يحدث اليوم أنه صحوة خامنئية مجردة؛ بل نتاج الخطوة الجريئة التي أقدمت عليها المقاومة الفلسطينية في غزة بقيادة حركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية بدعم مالي وتقني ولوجستي من إيران.

يجلس بعض العرب اليوم لتحليل ما حصل، ويدخلون في نقاشات واختلافات ومشادات وتحليلات وتخوين لبعضهم البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بينما الشعوب تصفق وتهلل للصواريخ القادمة من أرض فارس إلى فلسطين المحتلة؛ ليكتشفوا أن جلسة العرب انقضت وعاد كل طرف إلى داره، على موعد اللقاء في اليوم التالي لمزيد من التحليل لما يدور في سماوات الحارة العتيقة. في الحقيقة، لمستُ من معظم الذين تواصلوا معي خلال اليومين الماضين الشعور بالنشوة كأنهم يتابعون مسلسلا تركيا شيِّقا مليئا بالأحداث، وللأسف بعضهم كانوا يمثلون في تصور شخصيات تنويرية تمتلك الوعي بقراءة متأنية لما يحصل، فلا يمكننا فصل زيارة ترامب للشرق الأوسط عمَّا يحدث اليوم؛ فالصمت الأمريكي وترك إسرائيل تواجه الأحداث منفردة، يوحي بملل ترامب من ملاحقة نتنياهو ومغامراته غير المحسوبة، ولكم أن تقارنوا بين موقف ترامب اليوم وموقف بايدن في السابع من أكتوبر 2023.

أمريكا اليوم تقدم لإسرائيل أقل دعم ممكن في حربها ضد إيران، وتقف متفرجة على المشهد، وتقول للعالم أنا لست جزءًا من هذه الحرب، وتُحذِّر من المساس بجيشها في قواعده المنتشرة في الشرق الأوسط، وهذا الموقف غير مسبوق في السياسة الأمريكية الداعمة دون حدود لإسرائيل طوال عقود من الزمن، وهذا ما يجب البناء عليه حاليًا، والاستمرار فيه؛ لكي يتجرع نتنياهو المزيد من الهزائم ويذوق الشعب الذي يدعمه ألم الموت والدمار والخوف.

نتنياهو أجهض "مفاوضات مسقط" التي كانت ستقود إلى اتفاق وصفقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية. ولا شك أن التعتيم قبل الحرب بـ24 ساعة، وإعلان معالي السيد وزير الخارجية العُماني أن المفاوضات قائمة، ألقى بظلاله على هذه الوساطة التاريخية التي يمكن أن تقود إلى تفكيك أزمة مزمنة بين أمريكا وإيران. لهذا كان الموقف الأمريكي جيِّد إلى حد ما، على الأقل حتى الآن، في ظل دعم شفوي من روسيا والصين وباكستان وتركيا لإيران، وهي قوى وازِنة في العالم تستطيع فعل الكثير إذا ما تدخلت لصالح إيران، في ظل صمودها، رغم الاختراقات الكبيرة للموساد الإسرائيلي في الداخل الإيراني، عبر اغتيال القادات والعلماء؛ حيث أكدت إيران أنها تملك البديل، واستطاعت تحريك منظومتها الباليستية والدفع بمئات الصواريخ الى الداخل الإسرائيلي، في ظل فشل ذريع للقبة الحديدة، وانتشار مشاهد الدمار الهائل في مختلف المدن، واستهداف مقرات حيوية بشكل دقيق، مما خلق الفوضى ونشر الرعب في قلوب الإسرائيليين. هذا سيدفع بلا شك بمزيد من الهجرة العكسية والفرار من جحيم إسرائيل، بعد أن أصبحت ساحة حرب حقيقية لا أمان فيها، منذ دخل السنوار ورفاقه إلى عسقلان في السابع من أكتوبر 2023.        

والسؤال المطروح: ما الذي يُمكن للعرب فعله الآن؟

إذا استمرت الولايات المتحدة على موقفها الحالي، لا يجب الهرولة إلى التفاوض ومنح إسرائيل بابًا خلفيًا للخروج من الأزمة التي تسببت فيها، مع أهمية التأثير على القادة الأوروبيين بكل الطرق، لضمان عدم دعم نتنياهو في هذه الحرب، وهذا ممكن جدًا بوسائل كثيرة؛ منها المال السياسي، ودعم خيارات الطاقة لدى هذه الدول، والحث على الاعتراف بدولة فلسطين في الاجتماع المرتقب في الأمم المتحدة، والسعي بكل الطرق الممكنة لدعم المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، عبر مراجعة صادقة من دول الطوق العربي للموقف الحالي للأزمة، وممارسة المزيد من الضغط على الكيان الصهيوني لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني على كامل التراب الوطني الفلسطيني.

الأكثر قراءة