إحياء "صندوق الرفد"

 

 

فايزة سويلم الكلبانية

faizaalkalbani1@gmail.com

 

في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها بيئة الأعمال في سلطنة عُمان، تبرز أهمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة كركيزة أساسية للاقتصاد الوطني؛ إذ تمثل المصدر الأول لتوفير فرص العمل وتنويع مصادر الدخل، إلّا أن هذا القطاع الحيوي يعاني من صعوبات جمة أبرزها العبء المتزايد للرسوم والضرائب المستجدة، إضافة إلى تراجع السيولة، التي أثرت على قدرات هذا القطاع على الصمود، هذا الواقع يستدعي ضرورة إعادة النظر في أدوات الدعم المتاحة، وعلى رأسها صندوق الرفد الذي لعب دورًا بارزًا في تمويل المشروعات سابقًا بالرغم من كل المتغيرات والمفارقات، ولكنه غاب عن المشهد في السنوات الأخيرة، في وضع مؤسف وغير منطقي ويضر أشد الضرر بهذا القطاع الذي يُعوَّل عليه أن يوفر فرص العمل والوظائف ويدعم نمو اقتصادنا الوطني.

ومع زيادة الأعباء المالية، وجد العديد من أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة أنفسهم عاجزين عن الاستمرار، ما أدى إلى تعثر بعضها وإغلاق البعض الآخر، والبعض كذلك زُج به خلف أسوار السجن، نتيجة للغرامات والديون المُتراكمة. وهذا التراجع ليس مجرد خسارة لأصحاب المشروعات وحدهم؛ بل هو خسارة للاقتصاد الوطني ككل؛ حيث إن انهيار هذا القطاع ينعكس سلبًا على معدلات التوظيف والإنتاجية، وهنا لا بُد من دور فاعل وملموس من هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لدعم هذا القطاع، خاصة وأن غياب التمويل الملائم ينسف أي جهد لدعم رواد الأعمال.

الشباب الباحثون عن فرص للعمل، والمتحمسون لدخول عالم ريادة الأعمال بأفكارهم الطموحة وخططهم المدروسة، يصطدمون بجدار التمويل؛ فبدون رأس المال، تبقى الأفكار مجرد أحلام غير قابلة للتنفيذ، وهُنا تبرز الحاجة إلى إعادة تفعيل صندوق الرفد كأداة حيوية لتوفير التمويل اللازم بشروط ميسرة تتيح لأصحاب المشروعات الانطلاق بثقة.

وإعادة صندوق الرفد إلى الواجهة ليست مجرد استجابة ظرفية لوضع مؤقت؛ بل هي خطوة استراتيجية لتعزيز ثقافة العمل الحُر وتحقيق التنمية المستدامة؛ حيث إن تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة ليس ترفًا، وإنما استثمار في مستقبل الاقتصاد الوطني، وهذا التمويل يمكن أن يسهم في خلق فرص عمل جديدة، وزيادة معدلات الإنتاج، وتنويع القاعدة الاقتصادية؛ بما ينسجم مع رؤية "عُمان 2040" التي تركز على تمكين القطاع الخاص ودعم ريادة الأعمال.

إلى جانب التمويل، هناك حاجة ماسة لتعزيز البنية الأساسية الداعمة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، من خلال توفير التدريب والإرشاد والدعم الفني، ولا ريب أن بناء بيئة مواتية لريادة الأعمال يتطلب تكاملًا بين جميع الجهات المعنية، من مؤسسات حكومية وهيئات تمويل إلى القطاع الخاص، هذا التكامل يمكن أن يخلق منظومة متكاملة تدفع برواد الأعمال نحو النجاح.

لا نريد أن ننتقص من دور هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في دعم هذا القطاع، لكن في الوقت نفسه الهيئة مُطالَبة بشدة، بأن تبذل جهدًا أكبر وتتخذ خطوات أكثر تأثيرًا؛ لتذليل المعوقات ومواجهة التحديات الحالية . ويجب أن تكون الحلول مبتكرة وشاملة، تأخذ في عين الاعتبار توفير التمويل الميسر، وتخفيف الأعباء المالية، وتبسيط الإجراءات القانونية. وهذه الخطوات ليست فقط لدعم المشروعات القائمة، ولكن لفتح الباب أمام المزيد من الشباب لتحقيق أحلامهم والمساهمة في بناء اقتصاد قوي ومتنوع.

ونؤكد أن إعادة إحياء صندوق الرفد ستكون طوق النجاة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فبدون مثل هذا الصندوق ستظل هذه المؤسسات تعاني من الديون والضعف والهزال، ولن تقوم لها قائمة، وستنكمش أهميتها وتأثيرها في الاقتصاد الوطني، وستتراجع مؤشرات ريادة الأعمال، وستزيد أعداد الباحثين عن عمل، وسيفقد الشباب الأمل في منظومة العمل الحر وريادة الأعمال.

إنَّ هذا المطلب الحيوي والضروري للغاية بعودة صندوق الرفد، يمثل دعوة صادقة للجهات المعنية، وعلى رأسها هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، من أجل تلبية احتياجات السوق ومتطلبات التنمية، ودعم هذه المؤسسات، والعمل على تعزيز استقرار الاقتصاد وضمان مستقبل أفضل للجميع. ومن هذا المنطلق، يجب أن تكون الدعوة لإعادة تفعيل الصندوق جزءًا من رؤية وطنية شاملة تستهدف تحقيق النمو والازدهار الاقتصادي للجميع.

الأكثر قراءة