صالح بن سعيد بن صالح الحمداني
في لحظات لا تشبه غيرها حين يُخيَّل إليك أنَّ العالم قد انكمش على صدرك وتثاقلت أنفاسك حتى خِلتها تودعك، لا لأنك ضعيف أو عاجز؛ بل لأنك كنت نقيًا في عالم يمجّد الزيف، وصادقًا في زمن يكافئ المراوغة وعفويًا في ساحة يتربص فيها المتصنّعون، تلك اللحظات التي تشعر فيها وكأنك غريب في وطنك سجين في ذاتك تائه في عالم لا يشبهك ولا يشبه ما آمنت به، هي ليست نهاية؛ بل بداية جديدة تتطلب أدوات مختلفة ورؤية أكثر عمقًا واتساعًا.
الخذلان ذلك الشعور المرّ الذي يعصف بك من أقرب الناس إليك ليس لعنة كما قد يُخيَّل لك؛ بل هو مطرقة نحت تنحت فيك نسخة أكثر صلابة وأشد وعيًا، إنه تجربة جارحة نعم لكنه أيضًا تمهيد لتحول داخلي، يعيدك إلى جوهرك بعد أن كدت تفقده في دوامة التوقعات والآمال المعلقة، هو ليس نهاية الثقة؛ بل بداية بناء الثقة في من يستحق وفي الذات أولًا.
أما الألم فهو المعلم الذي لا يُشفق لكنه لا يكذب، حين يُثقلك على صدرك ويجبرك على التوقف فهو لا يفعل ذلك عبثًا؛ بل ليُريك ما كنت تغفل عنه، ليجعلك تُصغي إلى صوت داخلي لطالما تجاهلته في صخب الحياة، الألم ليس عدوًا؛ بل دليل يُوجّهك حين تُضلّ الطريق، هو الصمت الذي يُعلّمك أكثر من آلاف الكلمات وهو الغياب الذي يكشف الحضور الحقيقي لما هو أصيل فيك.
في هذا العالم الذي يُمجد المظاهر ويغفل عن الأعماق لا تُرهق نفسك بمحاولة إثبات ذاتك لمن لا يريد أن يفهمك ولا تستهلك طاقتك في شرح ما لا يُرى إلا بالقلوب النقية، ثباتك هو ما سيُثبت صدقك وصبرك هو ما سيُثمر في النهاية، دعهم يظنون أنك انتهيت بينما تنشغل أنت في بناء شيء لا يستطيعون تخيله… بناء ذاتك.
ركِّز لا تُشتِّت انتباهك في معارك لا تليق بك ولا تُهدر دموعك في طرق لا تقود إلى نور، اجعل من كل خذلان دافعًا ومن كل دمعة وقودًا ومن كل لحظة صمت خطةً جديدة تُرسم في صمت وتُنفذ بقوة، لا تغرق في التحليل المفرط ولا تبحث عن إجابات لكل سؤال فبعض الأسئلة هي جسر للعبور لا محطة للتوقف.
تقدَّم ولو خطوة واحدة كل يوم لا تستهن ببداياتك الصغيرة فكل من كتبوا أسماءهم في صفحات المجد، بدأوا من زاوية موحشة من لحظة خيبة من نقطة ظنوا أنها النهاية، ولكنهم تقدموا ولو بخطوات مرتجفة حتى صاروا رواةً لأجمل حكايات الانتصار.
مشاعرك اليوم مهما كانت موجعة هي البوصلة التي ستقودك غدًا شرط أن تصغي لها لا أن تُخمدها، وقراراتك التي تتردد فيها الآن ستكون محطات إعجاب لاحقة سيتمنّى الآخرون لو اتخذوها كما فعلت.
لا تحاول إثبات شيء لأحد العالم لا يحتاج إلى نسخة أخرى من الزيف؛ بل إلى ذاتك الحقيقية اثبت على وعدك لنفسك القديمة تلك التي وعدتها ذات مساء أن لا تنكسر، أن تنهض مهما تعثرت وأن تُكمل الطريق ولو بصمت.
في نهاية المطاف لن يُكتب اسمك في سجلّ الحياة لأنك تألمت؛ بل لأنك نهضت، لن تُحفر بصمتك لأنك كنت ضحية؛ بل لأنك كنت مقاتلًا في معركة الصدق وسط زمنٍ يقدّس الأقنعة.
تمهل… فما يحدث الآن، ليس النهاية؛ بل البداية.