"مبادرة السويق".. نموذج للتواصل الحكومي الفعَّال

 

 

 

د. خالد بن علي الخوالدي

 

في ظل التطور المُتسارع الذي تشهده سلطنة عُمان في مختلف المجالات، تبرز الحاجة إلى تعزيز التواصل بين المؤسسات الحكومية والمواطنين، لضمان تقديم الخدمات بأعلى مستويات الكفاءة والشفافية، وفي خطوة تحسب لمكتب محافظ شمال الباطنة، أطلعت وعن قرب على اللقاء المباشر بين المواطنين ورؤساء المصالح الحكومية في ولاية السويق، بهدف تخليص المعاملات المتعثرة وتلقي المقترحات والشكاوى مباشرة من أصحابها.

هذه المبادرة التي تعد نموذجًا للعمل الحكومي القائم على المشاركة المجتمعية، تعكس رؤية القيادة الحكيمة لمحافظ شمال الباطنة بضرورة تقريب المسافة بين الجهات الخدمية والجمهور، وتذليل العقبات التي قد تعترض سير معاملات المواطنين.

لا يخفى على أحد أن تعقيد الإجراءات الحكومية خاصة تلك المشتركة بين أكثر من مؤسسة يُعد أحد أبرز التحديات التي تواجه المواطنين في مختلف ولايات السلطنة، فكثيرا ما يتطلب إنهاء معاملة واحدة مراجعة عدة دوائر؛ مما يهدر الوقت والجهد، ويولد شعورا بالإحباط لدى المراجعين. هنا تأتي مبادرة "تحت سقف واحد" كحل عملي يختصر الطريق، ويوفر منصة تلتقي فيها كافة الجهات المعنية بالخدمات في مكان واحد، مما يسهل عملية المتابعة ويسرع إنهاء الإجراءات.

وحضور سعادة محمد بن سليمان الكندي محافظ شمال الباطنة وسعادة عيسى بن أحمد المعشني والي السويق إلى جانب مديري العموم بالمؤسسات الخدمية، أضفى على اللقاء أهمية كبرى، وبعث برسالة واضحة بأن صوت المواطن مسموع، وأن هناك إرادة سياسية حقيقية لمعالجة أي تعقيدات تواجهه. كما إن تخصيص وقت كافٍ للحوار المباشر من الثامنة والنصف صباحاً حتى الثانية والنصف ظهرا يظهر جدية الجهات المنظمة في استيعاب أكبر عدد ممكن من المراجعين، وضمان تحقيق الفائدة المرجوة.

ورغم أنَّ الهدف المباشر للقاء هو تسريع إنجاز المعاملات، إلّا أن فلسفته تتجاوز ذلك إلى أبعاد أعمق، تتمثل في تعزيز الثقة بين المواطن والمسؤول؛ فالحوار المباشر يزيل الحواجز النفسية، ويظهر أن المسؤولين ليسوا مجرد موظفين خلف المكاتب؛ بل شركاء في تحقيق التنمية ورفاهية المجتمع، كما إن رصد التحديات على أرض الواقع يكون تأثيره أعمق فما يُطرح في الاجتماعات الرسمية قد لا يعكس دائمًا التفاصيل الدقيقة لمشكلات المواطنين، بينما اللقاءات المباشرة تتيح فهم أبعاد المشكلات بشكل أدق، كما أن هذه الفكرة تعمل على تحفيز الابتكار في الخدمات الحكومية؛ حيث إنَّ ملاحظات المواطنين قد تُلهِم مسؤولي الجهات الحكومية إلى تبني أفكار جديدة تحسن جودة الخدمات، سواء عبر تبسيط الإجراءات أو توظيف التقنية، وتعزز هذه الخطوة الشفافية والمحاسبة فوجود المسؤولين في مكان واحد أمام الملأ يشجع على النقاش الصريح، ويقلل من احتمالية التعتيم على أي تقصير.

ورغم الإشادة بهذه الخطوة، إلّا أن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستبقى مثل هذه المبادرات مناسبات استثنائية، أم أنها ستصبح نهجًا دائمًا في العمل الحكومي؟

الأكيد أن المواطنين يتمنون أن تكون هذه اللقاءات بدايةً لآلية دائمة، ربما عبر إنشاء "منصات خدمية شهرية" في مختلف ولايات المحافظة، أو تعميم الفكرة على مستوى جميع الولايات، كما إن توظيف التكنولوجيا مثل تطبيقات الهاتف المحمول أو المنصات الإلكترونية يمكن أن يكمل هذه الجهود، ويجعل التواصل مع المسؤولين مُمكنًا في أي وقت.

شكرًا لسعادة محمد بن سليمان الكندي محافظ شمال الباطنة على هذه المبادرة التي ستُحقق قيمةً مضافةً للعمل الكبير الذي يُبذل في المحافظة؛ فهذه المبادرة تُثبت أن الحلول البسيطة- كالجمع بين المواطن والمسؤولين تحت سقف واحد- قد تكون الأكثر فعالية، وهي خطوة تذكرنا بأنَّ جوهر العمل الحكومي الناجح ليس في التعقيد الإداري؛ بل في الاقتراب من الناس، وفهم احتياجاتهم، والعمل بروح الفريق الواحد لخدمة الوطن وأبنائه.

ودُمتم ودامت عُمان بخيرٍ.

الأكثر قراءة