الحكومات الناجحة

 

جابر حسين العُماني **

jaber.alomani14@gmail.com

الحكومات الناجحة لا تقتصر جهودها على تشييد المباني الإدارية والتجارية والصناعية، ولا على تزيين الطرقات بالأشجار الباسقة، واللافتات الإعلانية الواضحة، وهي لا تكتفي بالشعارات الرنانة في الإعلام ووسائل التواصل؛ بل تضع احتياجات مواطنيها فوق كل اعتبار، والحكومة الناجحة يجب أن تشرك المواطن في برامجها؛ فهو حجر الأساس في بناء الوطن وصناعة القرار.

وهي من يجب أن يُدير موارد البلاد بعقول نزيهة وقلوب مخلصة، فتؤدي واجباتها بروح من النزاهة والوفاء والإخلاص، وتسعى جاهدة لترسيخ العدل، واعتماد الكفاءات بعيدًا عن المحسوبيات والمُحاباة، لذا ينبغي أن تتسلح بمبادئها وقيمها الإنسانية الموروثة والأصيلة، ويجب أن يراها الجميع مستمعة لمواطنيها بإنصات، وشعور عميق بالمسؤولية قبل إصدار أي قرار يعلن على رؤوس الأشهاد.

الحكومة الناجحة يجب أن تراقب عن كثب احتياجات الناس لتلبيتها، حتى ترفع بذلك همومهم، وتخفف آلامهم وأحزانهم، وإذا فشلت؛ لا يجب أن تُبرر فشلها للجميع؛ بل تعترف وتصلح وتنظم وتسعى وتجتهد لتنهض من جديد من أجل خدمة مواطنيها.

وعندما يحظى المواطن بحكومة ناجحة، سيشعر حتمًا بأن صوته أصبح مسموعًا، وحقه بات محفوظًا، وطريقه نحو المستقبل يسير نحو حياة أفضل وأجمل، وبالتالي لن يضطر المرضى في وجودها للانتظار طويلًا؛ بل سيستمتعون بخدمات سريعة، ولن يُهمَّش المبدعون والمعلمون والمهندسون والمفكرون؛ بل سيكون لكل منهم شأن عظيم يجعلهم يفخرون ويفاخرون بوطنهم وقادتهم وحكومتهم الناجحة.

إنَّ المتأمل في التاريخ الإسلامي يجده يخبرنا عن حكومات ناجحة أدت ما عليها من مسؤوليات عظيمة تجاه مواطنيها، لذا ينبغي اتخاذ تلك الحكومات قدوة حسنة لصناعة الحكومات النزيهة والعادلة في العالم، ومن أعظم تلك الحكومات الناجحة والمتألقة حكومة خليفة المُسلمين العادل الإمام علي بن أبي طالب، والتي كانت تعد من أنجح الحكومات الإسلامية في التاريخ البشري، كما اعترف لها بذلك حتى من خالفه في الرأي والموقف والدين والمعتقد؛ حيث قامت حكومته على مبدأ العدل والحق والمساواة بين الناس، وتميزت بمميزات فريدة وواعية رغم التحديات والصعوبات الكثيرة التي واجهتها.

لقد تميَّز حكم خليفة المسلمين علي بن أبي طالب بالعدل بين النَّاس؛ حيث كان العدل من أهم الركائز الأساسية في إدارته وحكومته، كما يروى عنه قوله: "اَلْعَدْلُ يَضَعُ اَلْأُمُورَ مَوَاضِعَهَا" في كتاب "نهج البلاغة"، فقد كان لا يُفرِّق بين القريب والبعيد، وبين الأبيض والأسود، وهو من كان يقول لقائد جيشه مالك الأشتر "وَلْيَكُنْ أَحَبُّ اَلْأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطَهَا فِي اَلْحَقِّ، وَأَعَمَّهَا فِي اَلْعَدْلِ، وَأَجْمَعَهَا لِرِضَى اَلرَّعِيَّةِ."

ومن أجل إعداد الحكومات الناجحة التي تؤمن بالسعادة لشعوبها لابد من توفير الرؤية الواضحة، وإعداد الكفاءات الوطنية المناسبة، التي تقوم على مبدأ الشفافية والمشاركة المجتمعية، وهنا نذكر أهم ما ينبغي توفره في صناعة الحكومات الناجحة وهي كالآتي:

  • أولًا: القيادة الحكيمة التي تضع المصلحة العامة فوق مصالحها الشخصية، بل وتملك القدرة الكافية على اتخاذ القرارات المناسبة في صالح الشأن العام.
  • ثانيًا: إعداد وبناء المؤسسات القوية والمستقلة والفاعلة في البلاد بحيث تعتمد على الكفاءات الوطنية، والابتعاد عن المحسوبيات بحيث تكون قادرة على مراقبة الأداء في الحكومة وخارجها.
  • ثالثًا: احترام القانون، والحث على تطبيقه، والعمل به من قبل الجميع، والحد من الفساد، فلا يمكن للحكومات أن تكون ناجحة إذا استحوذ الفساد في أروقتها.
  • رابعًا: استثمار التعليم، وهو من أفضل ما ينبغي التركيز عليه في الحياة الاجتماعية والأسرية، لما له من أهمية بالغة في خدمة البشرية جمعاء.
  • خامسًا: الانصات والاستماع للناس، وذلك من خلال التفاعل الحكومي الجاد مع ما يحتاج إليه المواطن ومشاركته في صناعة القرار.
  • سادسًا: توفير فرص العمل، وتحسين مستوى المعيشة، والقضاء على البطالة، وإدارة البلاد بالشكل المتوازن والمستدام.
  • سابعًا: الاستقرار السياسي في البلاد وهو توفير المناخ المستقر والمشجع لجذب المستثمرين الحقيقيين، مما يزيد في ازدهار التجارة الوطنية ويرفع من معدلات الإنتاج المحلي.

إنَّ العالم العربي والإسلامي اليوم بحاجة إلى صناعة دول ناجحة على غرار تلك الدول التي اجتهدت فنجحت ووصلت إلى أهدافها المنشودة، ومنها على سبيل المثال سنغافورة التي عرفت بكفاءتها الاقتصادية والإدارية، أو النرويج والدنمارك اللتان عرفتا بنظام الرفاه الاجتماعي في المجتمع، أو كندا وألمانيا اللتان تقدمان الخدمات بكفاءة عالية لمواطنيهما.

وأخيرًا.. إنَّ تشكيل الحكومات الناجحة لا يتحقق إلّا من خلال المسؤول الناجح، الذي لا يرى من كرسيه ومنصبه كسُلطة؛ بل مسؤولية عظيمة، وخدمة جليلة يجب أن يُقدِّمها كتكليف شرعي واجتماعي وليس مجرد تشريف.

** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء

الأكثر قراءة