الذكاء الاصطناعي ومصير الإنسان
مؤيد الزعبي **
في سيناريو مستقبلي في عالمٍ يهرول بسرعة نحو مستقبل تحكمه الخوارزميات عالمٍ من الذكاء الاصطناعي والروبوتات المتطورة والذكية، يثور في رأسي سؤال مصيري: هل سنستسلم نحن البشر أمام هذا الزخم والتطور التكنولوجي؟ هل سنكون ضعفاء أمامها؟، أم أننا سنُظهر ما يكفي من الحنكة والصمود لنُبقي إنسانيتنا في مركز المشهد؟ ولو سألتني- عزيزي القارئ- سأقول لك دون تردد: أنا أثق بالبشرية... لكني لا أثق بالبشر!
قد يبدو هذا التناقض غريبًا للوهلة الأولى، لكنه في الحقيقة يعكس مفارقة عميقة في مسيرة الإنسان منذ بداية الخليقة؛ البشرية كقوة تطورية جماعية أثبتت على مدار التاريخ قدرتها على تصحيح المسار، ومواجهة التحديات الكبرى، فهي التي أسقطت الطغاة، ووضعت دساتير الحقوق، وتعلمت من الكوارث لتعيد بناء ذاتها، أما البشر كأفراد فهم في نهاية المطاف خطّاؤون، يمكن أن تضلهم مصالحهم أو تغريهم السلطة، فيقررون ما يضر أكثر مما ينفع، ولهذا، فإن القلق الحقيقي لا يكمن في تطور الذكاء الاصطناعي بحد ذاته، بل فيمن يطوره وكيف ولمصلحة من.
لقد تحدثت معك في مقالات سابقة محذرًا من أن الاعتماد الكلي على الذكاء الاصطناعي سيفقدنا الكثير من المهارات البشرية، وقد وجدت دراسة قام بها باحثون في جامعة تورنتو تثبت أن استخدام الذكاء الاصطناعي في المهام الإبداعية قد يؤدي إلى انخفاض في الأداء الإبداعي المستقل، مما يثير المخاوف بشأن التأثيرات طويلة المدى على الإبداع البشري والقدرات المعرفية، ونحن نتحدث هنا عن مهام إبداعية كانت جوهر عطاؤنا الإنساني.
على مدار التاريخ لم تُهزم البشرية أمام أي تحدٍ؛ سواء كان كارثة طبيعية، أو حربًا مدمرة، أو أزمة اقتصادية؛ بل كانت دائمًا قادرة على النهوض، وإعادة البناء، وتجاوز المحن؛ لكن اليوم نواجه تحديًا من نوع مختلف: الذكاء الاصطناعي أكثر منا ذكاء وتطورًا، وما يثير القلق أن عملية تطويره تسير بوتيرة متسارعة دون وجود رقابة صارمة أو مساءلة واضحة، والمستفيدون من هذا السباق هم شركات وأفراد، يتحولون يومًا بعد يوم إلى "حيتان" تسيطر على مفاتيح هذه التقنية، وفي المقابل نجد أنفسنا كمجتمعات نُسلم الراية تدريجيًا، دون أن نُدرك العواقب.
الغريب في الأمر أن مطالباتنا بوضع أطر تنظيمية وأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي ما زالت خجولة ومحدودة والاستجابة لا تزال دون المستوى المطلوب، وإذا استمر هذا الوضع، فقد نجد أنفسنا أمام "غول" تقني يلتهم إنسانيتنا، ويُعيد تشكيل مجتمعاتنا بطرق لا يمكن التنبؤ بها. لذا، يجب أن نُعيد التفكير في كيفية تعاملنا مع هذه التقنية، ونُطالب بوضع ضوابط صارمة تضمن استخدامها بما يخدم البشرية وليس العكس.
في حالتنا هذه نحن أمام 3 سيناريوهات يجب أن نختار فيما بينها حتى لا نُهزم كبشرية، الأول أن نعتمد بشكل مفرط على الذكاء الاصطناعي، مما قد يؤدي إلى تراجع المهارات البشرية الأساسية وحينها سنصبح نحن أسرى للتقنية، والسيناريو الثاني، أن نتفاعل ونتكامل مع التقنية والذكاء الاصطناعي لكي تخدم مصالحنا وتعزيز انتاجيتنا وابداعنا، رغم أن الكثيرين يرون في هذا الخيار حلًا رائعًا، إلا أنني أراه محفوفًا بالمخاطر، فنحن عندما نتفاعل مع التقنية ونتكامل معها سننجرف في مسار يجعلها تتعلم منا وتجعلنا نتخلف أمامها، فاستسهالنا لهذا الحل سيجعل الأمر معقدًا ويعود بنا الحال لنقطة البداية كما لو اخترنا الخيار الأول.
أما ما أجده واجبًا هو السيناريو الثالث وهو أن نعمل على إيجاد التوازن الذكي، وهو الخيار الأكثر واقعية؛ حيث نمزج بين الخيارين الاثنين السابقين بحيث نستخدم الذكاء الاصطناعي ليس لتحقيق مصالحنا فقط؛ بل لتعزيز قدراتنا العقلية والابداعية، وتعزيز مهاراتنا البشرية بحيث نكون دائما متقدمين بخطوة دون أن نسمح لها بالسيطرة علينا، لكن تحقيق هذا التوازن ليس بالأمر السهل فنحن أمام حالة من الاستسهال في استخدام التقنية دون أن نعلم أننا بذلك نقتل عقولنا ونحجم قدراتنا.
إنَّ التوازن الذكي بين اعتمادنا على التقنية وبين تطوير مهاراتنا كبشرية يتطلب وعيًا جماعيًا للبشرية، ومجهودًا مستمرًا من قبل الحكومات والمنظمات لكي نضمن أن نصل لهذا التوازن.
وكما ذكرتُ لك- عزيزي القارئ- في مطلع هذا المقال، أنا أثق بالبشرية وطالما أتحدث عن البشرية؛ فالضامن الوحيد لنا جميعًا هو قدرتنا على التعاون في وضع القواعد والأطر التنظيمية لتطوير الذكاء الاصطناعي من جانب، ومن جانب آخر العمل على تسليح أنفسنا كبشر بقدرات أكبر؛ إبداعية كانت أو عقلية، أو حتى مهارات يدوية فنحن البشر خُلقنا لعمارة الأرض، والعمارة تتطلب مِنَّا أن نكون المُسيطرين والمُسلحين بالعقول والمهارات.
**المنسق الإعلامي ومنتج الأخبار لصالح مجموعة الصين للإعلام الشرق الأوسط