جابر بن حسين العُماني
يفتح الكثيرون من أبناء الوطن العربي والإسلامي أعينهم في أوطانهم على أيام جديدة، ونسمات هواء عليلة، ونفوس مطمئنة هادئة، بينما يفتح آخرون أعينهم على قائمة طويلة من الهموم، التي باتت تؤرقهم، وتجعل الأسئلة المزعجة تحوم في رؤوسهم وقلوبهم.
ومن تلك الأسئلة الصعبة التي يواجهونها: هل هذا الشهر سيبقى راتبي حتى نهاية الشهر؟ هل سأتمكن من دفع فواتير الماء والكهرباء؟ هل يمكنني تأجيل قسط هذا الشهر إلى الشهر القادم؟ هل سأتمكن من دفع مصاريف العيد السعيد؟ هل سأواجه عقوبة السجن لعدم قدرتي على تسديد الديون المتراكمة؟ هل يمكنني توفير الاحتياجات الأسرية وراتبي لا يتناسب مع مؤهلي العلمي ومكانتي الاجتماعية؟
لقد تحول الهَمُّ المعيشي في زماننا هذا إلى عبء كبير أرهق كثيرًا أبناء المجتمع، وجعل حياتهم أكثر تعقيدا وصعوبة وضنكا، وأصبح رب الأسرة لا يستطيع تلبية مطالب أسرته الكبيرة، وكثير من الشباب لا يملكون القدرة على الزواج، ومن يريد إكمال نصف دينه، لابد له من زيارة البنوك للاقتراض منها حتى يتمكن من الإقدام على مشروع الزواج، وبذلك يزيد هما جديدا إلى همومه المتراكمة عليه.
لقد أصبح واقعنا المعاش لا يرحم الشيخ الكبير أو الطفل الصغير أو الشاب المستنير، وذلك بسبب ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية في الأسواق المحلية، والفقراء في تزايد كبير، لا يستطيعون العمل أحيانا إلا على أرصفة الشوارع، يبيعون الماء والشاي والبن حتى يحفظوا بذلك ماء وجوههم من ذل السؤال، وقد قال الإمام علي: "اَلسُّؤَالُ يُضْعِفُ لِسَانَ اَلْمُتَكَلِّمِ، وَيَكْسِرُ قَلْبَ اَلشُّجَاعِ اَلْبَطَلِ، وَيُوقِفُ اَلْحُرَّ اَلْعَزِيزَ مَوْقِفَ اَلْعَبْدِ اَلذَّلِيلِ، وَيُذْهِبُ بَهَاءَ اَلْوَجْهِ، وَيَمْحَقُ اَلرِّزْقَ".
لقد أثقلت الهموم المتعددة كاهل الإنسان العربي، وأثرت سلبًا ليس على وضعه المالي فحسب؛ بل تسببت له بكثير من الأمراض النفسية كالقلق والتوتر والعنف والانطواء والاكتئاب والعدوانية، وكم من بيت تمزق وتفرق شمله بسبب الضغوط النفسية والحياتية الصعبة، وكم من شباب فقدوا مستقبلهم وآمالهم وعاشوا الضغوط النفسية، بسبب الحرمان من فرص العمل التي تحفظ لهم كرامتهم ومستقبلهم، وكم من أحلام وآمال دفنت تحت ركام الضرائب والفواتير والديون القاسية التي أثقلت الظهور وجعلتها تهرم وتكبر وهي في شبابها وعنفوان قوتها.
يتطلب الأمر وبشكل عاجل معالجة قضايا الناس وتحسين أوضاعهم المعيشية، وهي ليست مسؤولية فردية؛ بل مسؤولية مجتمعية مشتركة تبدأ من كبار المسؤولين في الوطن العربي، وذلك من خلال تنشيط الاقتصاد، وتوفير فرص العمل المناسبة لأبناء الوطن، والسعي الجاد لحماية الأسواق من ارتفاع الأسعار وجشع التجار، ومحاسبة المسؤولين على إهمال وظائفهم، وإقامة العدل وإبطال الظلم والجور، وذلك يتطلب تضافر جهود الجميع فهي مسؤولية اجتماعية لابد من تعزيزها في المجتمع من أجل حياة أفضل وأجمل.
دائمًا ما تتغير وجوه المسؤولين ومناصبهم وكراسيهم، وكلما جاء مسؤول تغنى عبر الإعلام بشعارات الاهتمام بالمواطن، وتنتهي تلك الشعارات والمناصب ويبقى المواطن يدفع فواتير وعود المسؤولين الزائفة.
لذا يجب أن يعي أصحاب المناصب في الحكومات العربية والإسلامية أن المواطن المهموم يحتاج إلى الفرصة وليست الواسطة، والنظام الدائم وليست المزاجية، والاحترام والتقدير وليست الوصاية، والأمن الدائم وليس القمع، والانتماء والاهتمام وليس التهميش والاهمال، حتى يشعر بأن الحياة معه وليست ضده، وأن الوطن يبادله العدل والانصاف وليس الجفاء والإجحاف.
اليوم إذا أرادت الحكومات العربية والإسلامية إعادة الاطمئنان والاستقرار إلى مواطنيها الأعزاء عليها قبل كل شي أن تعمل جاهدة على تخفيف الأعباء والهموم المتراكمة على المواطنين، لما لذلك من آثار سلبية على صحة وسلامة المواطن العربي، وهذا ما كان يوصي به أمير المؤمنين وخليفة المسلمين الإمام علي بن أبي طالب لمالك الأشتر عندما جعله واليًا على مِصر قال: "وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ اَلرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَاَلْمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاَللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعًا ضَارِيًا تَغْتَنِمْ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي اَلدِّينِ، وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي اَلْخَلْقِ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ اَلزَّلَلُ، وَتَعْرِضُ لَهُمُ اَلْعِلَلُ، وَيُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي اَلْعَمْدِ وَاَلْخَطَأ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ اَلَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اَللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ".
** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء