جابر حسين العُماني **
من أهم الموارد التي ينبغي الالتفات إليها وعدم إهمالها والوقوف عندها هو: تكريم أبناء المُجتمع من المجيدين والمتميزين والمتفوقين، والتكريم يعد استثمارًا مستقبليًا للمجتمع، وتشجيعا للأفراد لبذل المزيد من الإنجازات والنجاحات المستمرة. ومن هنا ينبغي على الحكومات والمؤسسات المختلفة في المجتمع تبني ثقافة التكريم، وتوفير أدواتها، لبناء مجتمع قوي ومتماسك بين أفراده، يعتمد على التحفيز والتشجيع، ويسعى لمواصلة النجاح والإبداع.
والقيم الإنسانية النبيلة هي من أهم مرتكزات بناء المجتمع الناجح والمتماسك، لذا يتعين على الجميع الاهتمام بها وتعزيزها وتشجيعها وترسيخها بين أفراد المجتمع، وثقافة التكريم هي إحدى القيم الفاضلة التي تعزز روح الإيجابية بين الأفراد وتحفزهم على مواصلة الإبداع والتميز والتألق والنجاح في كثير من المجالات الاجتماعية والأسرية المختلفة.
ولكل مجتمع طاقات متميزة تقدم الكثير من الخدمات الجليلة، سواء على صعيد العمل الخيري أو التعليمي أو الصحي أو المهني، وغيرها من الخدمات الطيبة والمباركة التي يقدمها المخلصين بروح المبادرة والمثابرة والجد والاجتهاد، وتلك هي طاقات جبارة ينبغي الالتفات إليها وتكريمها بما يليق بشأنها ومكانتها الاجتماعية، مما يعزز من روح المسؤولية المجتمعية ويشعرهم بقدرهم ومكانتهم، وأن كل ما يقومون به في خدمة المجتمع هو في محل الاحترام والتقدير والاجلال، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَيْتُمُوهُ) [رواه أبو داود والنسائي].
ولا شك أن تقدير المجتمع للناجحين والمبدعين، كالعلماء والأطباء والمهندسين والمحققين وأصحاب المعرفة والفنون، واعتزازه بجهودهم، يرسخ في نفوسهم مشاعر الانتماء والولاء الصادق والمخلص لوطنهم ومجتمعهم، وتكريم أبناء المجتمع في حد ذاته يخلق الكثير من الاعتزاز والفخر والاحساس بالمسؤولية المجتمعية والوطنية والأخلاقية، مما يجعل من المكرمين أكثر وفاءً وإنتاجية لوطنهم ومجتمعاتهم.
وتكريم المتميزين والمجيدين والناجحين والمبدعين لا يقتصر على الجوائز أو الشهادات كما هو متعارف في الأوساط الاجتماعية؛ بل يمتد إلى العديد من الأشكال المحفزة لمواصلة الإبداع والنجاح، وهناك بعض الأفكار التي من الجيد تفعيلها بهدف التكريم الفعال والسليم في المجتمع، من بينها:
- أولًا: التقدير والاحترام العلني عبر الإعلام، وذلك يأتي من خلال اعداد الاحتفالات التكريمية والمؤتمرات العامة التي تعرض فيها انجازات المتميزين والناجحين والمبدعين واعطائهم حقهم من الثناء والمدح والتقدير والاجلال.
- ثانيًا: التكريم الرسمي المتمثل في الحكومات الواعية وذلك من خلال منح المتميزين الشهادات والترقيات المعتبرة والرتب والدروع والمال لدعم مشاريع المتميزين وترشيحها للجوائز المحلية والعالمية.
- ثالثًا: توفير الدعم المناسب لمسيرتهم المهنية، وذلك بتوفير العديد من الفرص والمنح الدراسية، وتشجيعهم على تطوير إمكاناتهم ومهاراتهم المختلفة لخدمة المجتمع على أكمل وجه.
- رابعًا: التكريم المعنوي، ويأتي من خلال الاحترام الشخصي للمتميزين والناجحين والمبدعين، ويكون ذلك بتوجيه رسائل الشكر والتقدير والعرفان المكتوبة والتي تحمل للمتميزين والمبدعين أحلى وأجمل عبارات مشاعر الحب والثناء والاجلال على ما قدموه ويقدموه لازدهار مجتمعاتهم وأوطانهم، وتوثيق اسهاماتهم وانجازاتهم، والكتابة عنها باستمرار.
- خامسًا: منحهم الأدوار الاستشارية والقيادية المناسبة، وذلك من خلال اشعارهم بمكانتهم الاجتماعية المرموقة والتي ينبغي الاستفادة منها لنجاح وازدهار وبناء المجتمعات والأوطان المتميزة.
إنَّ التكريم الحقيقي والمثالي الذي يقدر قيمة إنجازات المبدعين والناجحين والمتألقين في المجتمع، هو التكريم المنشود، لذا يتعين على الجميع تشجيع المجيدين ودعمهم لبذل المزيد من الجهود والإخلاص والتفاني بما يسهم في ازدهار ونجاح المجتمع ونقله إلى حياة أفضل وأجمل كما أراد الله تعالى للإنسان، قال تعالى في كتابه العزيز: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70] صدق الله العلي العظيم.
ختامًا.. إذا كان لكل عمل ختام، فيجب أن يكون ختام عمل المتميزين والمبدعين مسكًا متميزًا يفوح بعبق التقدير والاحترام والإجلال لكل من جعل الوفاء والعطاء والتفوق نهجا يسير به من أجل حياة أفضل.
** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء