نصف فطيرة بتذكرة درجة أولى!

 

 

يوسف عوض العازمي

@alzmi1969

 

 

 

"بياكل البيضة وقشرتها وبيقول ما شِفت شيء"! مثل لبناني شعبي.

********

 

في قصة طريفة يُحكى أن اثنين أصدقاء وفي جلسة تتخللها فناجين القهوة، واستكانات الشاي، وفي جو الشتاء الكويتي، والبرد الذي يدخل العظم، ولباس شتوي ثقيل، في جو غير بعيد عن أجواء إسكندنافيا أو بلاد الإسكيمو، وبلا شك في مثل هذه الأجواء تحلو الحوارات والنقاشات في كل شيء وأي شيء، بدءًا من نقاش حول قانون المرور الجديد، انتهاء وليس نهاية بسعر كيلو اللحم في طرابزون التركية.

من خلال الحوارات، قدَّم الصديق لصديقه نصف فطيرة جبن ساخنة لذيذة، وبعد تناولها من الصديق الضيف وكان واضحًا عليه السرور والحبور بهذه الفطيرة أو قل نصف الفطيرة، فوقع هنا في شر أعماله، ولا يُلام الضيف؛ حيث إنَّ لذة الفطيرة جعلته يفقد دبلوماسية الحديث؛ فعرض على المضيف تذكرة سفر إلى دولة ليست بعيدة كتكريم ومحبة ورغبة في أخوة السفر، ولأن الكحل في العين الرمدة خسارة، فوجئ الضيف بطلب غريب من المضيف إذ اعتذر (ولن أقول رفض!) عن قبول تذكرة السفر التي كانت على الدرجة السياحية، فطلب من الضيف Upgrade أي ترقية التذكرة إلى الدرجة الأولى، وكل هذا بسبب نصف الفطيرة لا أعادها الله.

ذكرتني هذه القصة الطريفة ببعض الأمور التي تحصل هذه الأيام؛ حيث تطلب دول للتو خارجة من أزمات سياسية وأمنية كبرى، وتطلب من دول الخليج دعمًا أو قل دعومات ضخمة وهائلة لإعادة الإعمار وغير ذلك، وهي بلاد بالأساس ملفها في هذه الأمور في أفضل الأحوال أكثر من الصفر بقليل.

بلاد ينخر بها الفساد السياسي والإداري والمالي، ومتخلفة عن دفع ديونها المتراكمة، وهي ديون بالأساس عليها ألف علامة استفهام؛ إذ لو وُجِّهَت هذه القروض لإعمار البلاد لوجدنا الأثر ماثلًا، لكن ما يراه الناس هو إعمار جيوب السياسيين ومن شابههم، فيما بلادهم ما بين تدخل خارجي يُعاين كل شيء إلّا مصلحة بلدهم، ويتحكم هذا التدخل حتى في تحديد بوصلة تعيين الحكومة والعلاقات، وبعد شبه زوال هذا التدخل، وبداية ملامح التغيير، وبدلًا من البدء في إصلاح الفساد وتنمية البلاد وتحسين معيشة المواطنين المغلوب على أمرهم، يبدأ مسلسل استجداء الدعم من دول الخليج، فقط يريدون دعماً، لكنهم لا يعملون أي بادرة تبين جدية العمل للإصلاح، وبدء عمل اتفاقيات لإعادة جدولة الديون والبدء بتنظيم مرتب للحياة العامة، عند ذلك ممكن الدول الداعمة تثق و تبدأ بتسيير الدعم المطلوب وفق أسس سياسية واقتصادية مناسبة ومعقولة، حتى لا تتكرر قصة نصف فطيرة بردت عجينتها مقابل تذكرة درجة أولى.

دول الخليج ملفاتها وسوابقها بيضاء ومُشرفة في تقديم الدعم للجميع ووصلت مساعدتها حتى لأدغال أفريقيا ودول الكاريبي، لكنها دول أيضًا عليها التزامات داخلية مُهمة؛ فأسعار النفط متذبذبة، والأحوال اليوم غير الأمس، وغير الغد، وإن أردت أن تُطاع فاطلب المستطاع. دول الخليج منشغلة بتنمية بلادها، وبدعم التطورات الهائلة نتيجة المجهودات الضخمة من أجل مستقبل أفضل لشعوبها وسط بيئة أمنية وسياسية واقتصادية مستقرة، تقوم على عمود المصلحة العامة للبلاد، قصة عطني دعم ولا أعلم أين يذهب هذا الدعم في الواقع الحقيقي ولا تبين جدية الوفاء بتسديد القروض انتهت هذه القصة. أما أن تبين جدية تفعيل الدعم لما هو في صالح بلدك وشعبك، وتضع الأموال في خاناتها الصحيحة لا في جيوب السياسيين وتعبئة وقود طائراتهم الخاصة الفارهة، بينما الشعب يحتاج كل ليرة.

هناك مثل كويتي يقول: "ساعد نفسك حتى يساعدك الناس"، أي لنشاهد جديتك في مساعدة نفسك حتى نتشجع ونمد لك اليد السخية وبثقة. أما أن تتكرر عادة حليمة وعاداتها القديمة، فهذا لن يساعد على إعادة بلورة الأمور، ووضع القطار على السكة الصحيحة.

ثم أتذكر صديقي الذي يقهقه ضاحكًا: لا أعادها الله من فطيرة!

الأكثر قراءة