رامي بن سالم بن ناصر البوسعيدي
في عالم يتَّجه بشكل متسارع نحو اقتصاد المعرفة، نجد أنفسنا في سلطنة عُمان أمام فرصة استثنائية لبناء اقتصاد قائم على الكفاءات الوطنية والابتكار والبحث العلمي، وهذا التحول ليس مجرد رغبة، بل ضرورة ملحة لضمان التنمية المُستدامة ومواجهة التحديات الاقتصادية المرتبطة بانخفاض الاعتماد على النفط، وفي ظل هذه الرؤية يبرز تساؤل مهم: هل يمكن لسلطنة عُمان استثمار طاقاتها البشرية لتصبح من بين الدول الرائدة في اقتصاد المعرفة؟
يعتمد نجاح أي اقتصاد معرفي على العنصر البشري كعامل أساسي، وفي السلطنة تشير الإحصائيات إلى وجود طاقات بشرية كبيرة، لكنها تعاني من تحديات هيكلية مثل الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل. من جهة أخرى، يشهد قطاع التعليم العالي في السلطنة نموًا كبيرًا مع تزايد عدد الجامعات والكليات، إلّا أن التركيز على المجالات التطبيقية والتقنية ما زال محدودًا نوعاً ما، وهذا يفرض تساؤلًا حول مدى استعداد النظام التعليمي لتلبية متطلبات الاقتصاد القائم على المعرفة.
من جانب آخر، يُؤدي القطاع الخاص دورًا حيويًا في دعم الكفاءات الوطنية من خلال توفير فرص التدريب العملي، وتمويل برامج البحث العلمي، وتوظيف الشباب العُماني في مجالات معرفية مُتقدمة، ومع ذلك نُدرك أن مشاركة القطاع الخاص في دعم الابتكار والتدريب المهني لا تزال أقل من المأمول، ولتعزيز هذا الدور يمكن للشركات العُمانية تبني برامج تدريبية متخصصة بالتعاون مع الجامعات المحلية والدولية، إضافة إلى دعم إنشاء حاضنات الأعمال والمشاريع الناشئة في المجالات التكنولوجية.
وفي عصر الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي أصبحت التكنولوجيا عاملًا أساسيًا لتحقيق اقتصاد معرفي؛ وكون السلطنة استثمرت بشكل كبير في مشاريع البنية التحتية الرقمية مثل الحكومة الإلكترونية، والتي تهدف إلى تحسين كفاءة الخدمات وتعزيز الشفافية، إلّا أنها بحاجة إلى تسريع تبني التقنيات المتقدمة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات والطاقة المتجددة لضمان تنافسيتها.
من كل هذا، لا ننسى الباحثين عن عمل وهم مورد غير مُستغَل بالكامل، لأنهم يمثلون فرصة ذهبية لبناء قاعدة قوية لاقتصاد المعرفة، وإذا ما استُثمِرَت طاقاتهم بشكل صحيح يمكن أن يصبحوا محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي. ولتحقيق ذلك يجب التركيز على تقديم برامج تدريبية متخصصة تعزز من مهاراتهم ويمكن توفير برامج تدريب مكثفة في مجالات التكنولوجيا والابتكار، مثل البرمجة وتحليل البيانات وتصميم الحلول الذكية، ويمكن تعزيز الشراكة مع الشركات العالمية لتوفير فرص تدريبية خارج السلطنة، مما يساهم في رفع كفاءة الشباب العُماني وجعله منافسًا عالميًا.
وتُظهر الدراسات أن الاستثمار في التعليم المستمر وإعادة التأهيل يساهم بشكل مباشر في رفع الإنتاجية الاقتصادية وتحقيق التحول نحو اقتصاد المعرفة، ويعد البحث العلمي ركيزة أساسية لأي اقتصاد قائم على المعرفة، وفي السلطنة لا تزال نسبة الإنفاق على البحث العلمي أقل من 1% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة متواضعة مقارنة بالدول التي نجحت في هذا المجال.
ولتحقيق تقدم ملموس يمكن للحكومة تخصيص المزيد من الموارد المالية لدعم مراكز الأبحاث والابتكار، كما يمكن تشجيع التعاون بين الجامعات والقطاع الخاص لتطوير حلول تقنية تسهم في تعزيز القطاعات الاقتصادية المختلفة، على سبيل المثال يمكن أن تركز الأبحاث على تحسين كفاءة الطاقة المتجددة أو تطوير تقنيات مبتكرة تعزز الإنتاجية في الزراعة والصناعة.
إنَّ بناء اقتصاد قائم على المعرفة هو طريق طويل، لكنه يستحق الجهد، وبفضل موقعها الاستراتيجي ومواردها البشرية الواعدة، تمتلك سلطنة عُمان جميع المقومات لتحقيق هذا التحول، ومع ذلك يبقى الاستثمار في الكفاءات الوطنية وتطوير البنية التحتية للتعليم والابتكار هو المفتاح لضمان نجاح هذا التحول.